دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلِلْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ رِبًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ»، ثُمَّ مَقْصُودُ الْمَوْلَى الْإِرْفَاقُ بِعَبْدِهِ وَاشْتِرَاطُ مَالِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ فِي الْكِتَابَةِ يُحَقِّقُ هَذَا الْمَقْصُودَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَسْبِ إلَّا بِمَنَافِعِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ الرِّبْحِ إلَّا بِرَأْسِ مَالٍ لَهُ فَلِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ صَحَّ اشْتِرَاطُ مَالِهِ لَهُ، وَالرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَالْمُقَابَلَةِ إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِرْفَاقِ كَمَا قَرَرْنَا لَا يَكُونُ رِبًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ سَيِّدِهِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ فِي الْعَقْدِ مَالًا مُضَافًا إلَيْهِ وَإِضَافَةُ الْمَالِ إلَى الْمَرْءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ كَسْبًا لَهُ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَسْبًا لَهُ بَلْ يَدُهُ فِيهِ يَدُ مَوْلَاهُ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدِ الْمَوْلَى.
وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ كَسْبُهُ مِنْ مَالٍ وَرَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» وَكَذَلِكَ مَا كَانَ سَيِّدُهُ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَسْبُهُ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِقَبُولِهِ وَعَدَمُ عِلْمِ الْمَوْلَى لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ.
ثُمَّ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَاشْتِرَاطُ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي هَذَا الْإِيجَابِ، فَأَمَّا مَالُ الْمَوْلَى الَّذِي لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِجِنْسِ مَا هُوَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدِمَهُ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَفِيمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا، ثُمَّ خِدْمَتُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَوْلَاهُ بِمِلْكِهِ رَقَبَتَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: أَصْلُ الْخِدْمَةِ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ وَمِقْدَارُهُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْجَهَالَةُ فِي الصِّفَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ، ثُمَّ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَبِتَسْمِيَتِهِ فِي الْعَقْدِ يَصِيرُ وَاجِبًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِمَوْلَاهُ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ ذَلِكَ الْكَسْبِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ صَحَّ الْعَقْدُ بِتَسْمِيَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا قَدْ سَمَّى طُولَهَا وَعَرْضَهَا وَأَرَاهُ مَكَانَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارًا قَدْ أَرَاهُ آجُرَّهَا وَجِصَّهَا وَمَا يَبْنِي بِهَا فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي قُلْنَا، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدِمَ رَجُلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute