شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِدْمَةَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ غَيْرَهُ نَائِبًا فِي الِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ وَاشْتِرَاطُهُ الِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ قَالَ هُنَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةً لِذَلِكَ الرَّجُلِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِقَبُولِهِ بِالْعَقْدِ، فَأَمَّا خِدْمَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَبِنَاءُ الدَّارِ كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمِلْكِ رَقَبَتِهِ وَذَلِكَ الْمِلْكُ يَبْقَى بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَبِهَذَا الْحَرْفِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَى غَرِيمٍ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْمَالَ لِنَفْسِهِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَجَعَلَ الْغَرِيمَ نَائِبًا فِي قَبْضِهِ مِنْهُ وَقَبْضُ نَائِبِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَضْمَنُهَا لِرَجُلٍ عَنْ سَيِّدِهِ فَالْكِتَابَةُ، وَالضَّمَانُ جَائِزَانِ وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْأَدَاءَ إلَى الْمَوْلَى وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْأَدَاءَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ، وَإِنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ سِوَى الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ الْمَالَ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ فَكَذَلِكَ الْتِزَامُهُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ كَسْبِهِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَبْدًا بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لَمْ يَكُنْ شَغَلَ كَسْبَهُ فَلَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِلْحَالِّ وَكَذَلِكَ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِكَسْبِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ فَارَقَ الْقِنَّ فَإِنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَالِكٌ لِلتَّبَرُّعِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ يَثْبُتُ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ ضَمِنَ عَنْ السَّيِّدِ لِغَرِيمٍ لَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ قَبْلَ الْحَوَالَةِ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّبَرُّعِ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ سَوَاءٌ كَانَ طَالَبَهُ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ الْمَضْمُونُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ شَاغِلًا لِكَسْبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ مِنْ كَسْبِهِ فَمَا يُلْتَزَمُ أَدَاؤُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ فَلِهَذَا صَحَّ هَذَا الضَّمَانُ.
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالِ مُنَجَّمٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ بَعْضَهَا وَيَحُطَّ عَنْهُ مَا بَقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ، وَمَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِي تَعْجِيلِ مَا بَقِيَ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute