أَدَّى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ وَمُرَادُهُ قَوْلَ يَعْقُوبَ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِعِتْقِهِ وَجْهَانِ سَعَى فِي الْأَقَلِّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ السِّعَايَةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يُخَيِّرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُفِيدٍ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَلَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ بِالْإِعْتَاقِ الْمُبْتَدَأِ بَطَلَ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَمَا أَدَّى قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَيَكُونُ سَالِمًا لَهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ السِّعَايَةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْكِتَابَةِ، وَالسِّعَايَةِ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ.
(قَالَ): وَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَاقِيَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ هُنَا أَقَلُّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَالَ الْمَوْلَى الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ؛ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ هُنَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ.
وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا وَاشْتَرَتْ وَلَدًا آخَرَ لَهَا، ثُمَّ مَاتَتْ سَعَيَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ فِي بَقَاءِ النُّجُومِ بِبَقَائِهِ وَهُوَ الْمُطَالَبُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْأَدَاءَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَا يُطَالَبُ بِالْمَالِ عَلَى النُّجُومِ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَالًّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهَا يُبَاعُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ قَائِمٍ مَقَامَهَا، وَإِنَّمَا الْقَائِمُ مَقَامَهَا هُوَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَصَارَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ الْآخَرِ كَالْأُمِّ وَفِي حَالِ حَيَاتِهَا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تُطَالَبُ بِالْمَالِ وَتَلِي الْأَدَاءَ دُونَ الْوَلَدِ فَكَذَا هُنَا فَإِنْ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْكِتَابَةِ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ أُمِّهِ وَلِأَنَّ كَسْبَهُ فِي أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ تَرِكَتِهَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ إذَا أَدَّى مِنْ كَسْبِهِ.
وَلَوْ اكْتَسَبَ هَذَا الِابْنُ الْمُشْتَرَى كَسْبًا فَلِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أُمِّهِ وَكَانَ لَهَا فِي حَيَاتِهَا أَنْ تَأْخُذَ كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ الْأَجَلُ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَا يَبْقَى الْأَجَلُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَنْ هُوَ أَصْلٌ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَصْلٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَالْمُشْتَرَى تَبَعٌ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي عَمَلٍ لِيَأْخُذَ كَسْبَهُ فَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute