الْوَرَثَةِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ» وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ»، وَمَا أَشْبَهَ الشَّيْءَ لَا يُزَاحِمُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، بَلْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَكِنَّا نَحْتَجُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَعْتَقَتْ عَبْدًا فَمَاتَ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ الْمَالِ لِلْبِنْتِ وَنِصْفَهُ لِبِنْتِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَالْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْفَرْضِ لِلْعَصَبَةِ»، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ وَرَدَّ الْبَاقِي عَلَى صَاحِبِ الْفَرْضِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ ذَوِي الْأَرْحَامِ، ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَقِيَ عَلَى الْبِنْتِ بَلْ جَعَلَهُ لِلْمُعْتِقَةِ، عَرَفْنَا أَنَّهَا عَصَبَةٌ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَفِي حَدِيثِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ كُنْتَ أَنْتَ عَصَبَتُهُ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّ مُرَادَهُ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا هُوَ عَصَبَةٌ.
وَقَوْلُهُ: «وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ» دَلِيلُنَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُضَافُ إلَى الْمُعْتِقِ بِالْوَلَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ وَالرِّقُّ تَلَفٌ حُكْمًا، فَكَانَ كَالْأَبِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الْوَلَدِ فَتُسْتَحَقُّ الْعُصُوبَةُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، كَمَا تُسْتَحَقُّ الْعُصُوبَةُ بِالْأُبُوَّةِ، فَأَمَّا قَرَابَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا الْإِضَافَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُضَافُ إلَى عَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ حَقِيقَةً، فَكَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ الْوَلَاءِ، وَكَانَ الْوَلَاءُ خَلَفًا عَنْ الْأُبُوَّةِ فِي حُكْمِ الْإِضَافَةِ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الْعُصُوبَةُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ كَمَا تُسْتَحَقُّ الْعُصُوبَةُ بِالْأُبُوَّةِ، ثُمَّ تُقَدَّمُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ بِسَبَبِ الْإِرْثِ أَصْلًا، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عِنْدَنَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ الْمَالِ وَعِنْدَهُ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَقُّ بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ، فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ ذَلِكَ الْحَقِّ بِعَقْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَنَا الْمَالُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالصَّرْفُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ لَا لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِبَيْتِ الْمَالِ. فَإِذَا انْعَدَمَ الْوَارِثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُوجِبَهُ بِعَقْدِهِ لِمَنْ شَاءَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمُوَالَاةِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: السَّائِبَةُ يَضَعُ مَالَهُ حَيْثُ أَحَبَّ وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: بَدَأَ الْكِتَابُ بِمَا رَوَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا وَفَائِدَةُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute