الِاخْتِلَافِ أَنَّ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ بِالْوَلَاءِ بَعْدَ الْمُعْتِقِ يَكُونُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ بِنْتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
هُوَ يَقُولُ: الْوَلَاءُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ، وَكَمَا أَنَّ أَصْلَ مِلْكِ الْأَبِ فِي هَذَا الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ بِالْعِتْقِ يَزُولُ بَعْضُ الْمِلْكِ وَيَبْقَى بَعْضُهُ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ. وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَالنَّسَبُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ. فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتَقِ بِإِحْدَاثِ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُعْتَقِ وَنَفْيِ الْمَمْلُوكِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَلَاءُ جُزْءًا مِنْ الْمِلْكِ؟ وَمَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ لِلْقُرْبِ وَالْكِبَرُ بِمَعْنَى الْعِظَمِ وَبِمَعْنَى الْقُرْبِ، فَدَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: ٢٢]. وَتَفْسِيرُهُ، رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ ابْنًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ أَقْرَبُ إلَى الْمُعْتِقِ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ، وَلِهَذَا كَانَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ فَكَذَلِكَ بِالْإِرْثِ بِوَلَائِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ عَيْنُهُ لَمْ يَصِرْ مِيرَاثًا بَيْنَ الِابْنَيْنِ حَتَّى يَخْلُفَ الِابْنُ أَبَاهُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَكِنَّهُ لِلْأَبِ عَلَى حَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَقَ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ إلَى الْمُعْتِقِ دُونَ أَوْلَادِهِ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ حَقِيقَةً، ثُمَّ يَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ فِي مَالِهِ لَوْ مَاتَ الْأَبُ، فَيَكُونُ لِابْنِهِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ، وَدُونَ ابْنَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ. وَالْبِنْتُ لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا إنَّمَا تَكُونُ عَصَبَةً بِالِابْنِ، فَعِنْدَ وُجُودِهِ لَا تُزَاحِمُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهِ هِيَ لَا تَكُونُ عَصَبَةً، وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ النُّصْرَةُ كَمَا بَيَّنَّا.
وَالنُّصْرَةُ لَا تَحْصُلُ بِالنِّسَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْعَاقِلَةِ عِنْدَ حَمْلِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِالْوَلَاءِ طَرِيقُهُ الْعُصُوبَةُ، وَحَقُّ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ مُقَدَّمٌ، فَلِهَذَا يُعْطِي نَصِيبَ بِنْتِ الْمُعْتِقِ أَوَّلًا وَكَذَلِكَ نَصِيبُ زَوْجَتِهِ إنْ كَانَتْ، ثُمَّ حُكْمُ الْبَاقِي هُنَا كَحُكْمِ جَمِيعِ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَيَكُونُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ فَإِذَا مَاتَ هَذَا الِابْنُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَتْ بِنْتُ الْمُعْتِقِ فَمِيرَاثُهَا لِابْنَيْ الْمُعْتِقِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَبِيهَا فِي الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَالْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ حَقِيقَةً لَهُ فَكَذَلِكَ يَكُونُ مَوْلًى لِمَوَالِي أَبِيهِ فَكَانَ مِيرَاثُهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لِمُعْتِقِ الْأَبِ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ ابْنَا ابْنِهِ كَمَا فِي مَالِهِ لَوْ مَاتَ الْأَبُ.
وَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute