هَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ لِلْمُعْتِقِ وَقَدْ طَوَّلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَقْرَبَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُعْتَقِ يَخْلُفُهُ فِي مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ (قَالَ): فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِ الِابْنَيْنِ ابْنَانِ وَلِلْآخَرِ ابْنٌ وَاحِدٌ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَوْ مَاتَ الْآنَ كَانَ مِيرَاثُهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ فَكَذَلِكَ مِيرَاثُ الْمُعْتَقِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَلَاءِ الْمُدَبَّرِ وَمِيرَاثِهِ وَوَلَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَمِيرَاثِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُسْتَوْلَدَ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُمْ لِمَا بَاشَرَ مِنْ السَّبَبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْعِتْقِ بِهَذَا السَّبَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَبِعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ بِمَا أَوْصَى بِهِ وَفِعْلُ وَصِيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَفِعْلِهِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ الْمُعْتَقِ مَاتَتْ عَنْ بِنْتٍ ثُمَّ مَاتَتْ ابْنَتُهَا فَلَيْسَ لِابْنَيْ ابْنِ الْمُعْتَقِ مِنْ مِيرَاثِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَرِثْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْلًى لَهَا إنَّمَا هُوَ مَوْلًى لِأُمِّهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَالْوَلَدُ فِي النَّسَبِ لَا يَتْبَعُ أُمَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَسَبٌ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، وَعَنْ شُرَيْحٍ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ، وَبِهَذِهِ الْآثَارِ نَأْخُذُ فَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ جَرَّهُ وَلَاءُ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ». وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا فَقَدْ تَأَكَّدَ بِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَقَاوِيلِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَوَيْنَا «أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَعْتَقَتْ مَمْلُوكًا فَمَاتَ، وَتَرَكَ بِنْتًا فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَهُ النِّصْفَ وَبِنْتَ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» النِّصْفَ، فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ عَصَبَةً لِمُعْتِقِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ النِّسْبَةِ لِلْوَلَاءِ إحْدَاثُ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْعِتْقِ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الرَّجُلِ، بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْفِرَاشُ، وَالْفِرَاشُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ صَاحِبَةَ فِرَاشٍ؛ وَلِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي هَذَا الْوَلَاءِ لِمُبَاشَرَتِهَا سَبَبَهُ وَكَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي مِلْكِ الْمَالِ تُسَاوِي الرَّجُلَ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute