للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ أَوْ الْمُوَالَاةِ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ مَوَالِيهِ كَمَا فِي مُعْتِقِ الْمُعْتَقِ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ أَسْلَمَ وَلَا يُوَالِي أَحَدًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى أَحَدٍ بِالْوَلَاءِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَاللَّقِيطِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ عَبْدٌ فَأَعْتَقَاهُ فَجَنَى جِنَايَةً كَانَ نِصْفُ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْعَرَبِيِّ؛ لِأَنَّ نِصْفَ وَلَائِهِ لَهُ وَنِصْفَهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ وَلَائِهِ لِمَنْ هُوَ مَوْلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَيَا وَلَدًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ وَلَدُهُمَا، وَنِصْفُ جِنَايَتِهِ عَلَى قَبِيلَةِ الْعَرَبِيِّ، وَنِصْفُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ اللَّقِيطِ وَالْعَرَبِيِّ جَمِيعًا.

(قَالَ): ذِمِّيٌّ أَعْتَقَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَى الْكَافِرُ وَلَكِنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَعَقْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ بِالْوَلَاءِ إلَى إنْسَانٍ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ عَقْلِ جِنَايَتِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهِ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْصُرُ الْمُسْلِمَ فَكَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَوْلَاهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ، كَانَ مَالُهُ مَصْرُوفًا إلَى بَيْتِ الْمَالِ. (قَالَ): وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً كَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ حَالُ الْمُعْتِقِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلذِّمِّيِّ عَشِيرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَمِيرَاثُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عَصَبَةً مِنْ الْمُعْتِقِ، وَإِنْ وَالَى هَذَا الْمُعْتِقُ رَجُلًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ وَلَاءَ عَتَاقَةٍ لِكَافِرٍ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِهِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ وَإِنْ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ الْمُعْتِقُ وَوَالَى رَجُلًا صَارَ هَذَا الْمُعْتِقُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِالْوَلَاءِ وَقَدْ صَارَ مَوْلًى لِمَنْ عَاقَدَهُ.

نَصْرَانِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ مُسْلِمًا كَانَ وَلَاؤُهُ لِقَبِيلَةِ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ إنْ كَانَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ، فَهُوَ تَغْلِبِيٌّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، وَيَرِثُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ أَقْرَبُهُمْ إلَى مَوْلَاهُ عَصَبَةً؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِلْمُعْتِقِ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، إلَّا أَنَّهُ لَا يَرِث لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لَهُ فِي الدِّينِ، فَيَقُومُ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ مَقَامَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مِيرَاثِهِ، وَعَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَى قَبِيلَةِ مَوْلَاهُ كَعَقْلِ جِنَايَةِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ بِالْوَلَاءِ وَكُلُّ مُعْتِقٍ جَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ بَعْدَ الْعِتْقِ اُنْتُقِضَ بِهِ الْوَلَاءُ الْأَوَّلُ، وَكَانَ حُكْمُ الْوَلَاءِ لِلْعِتْقِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُنْتَقَضُ الْأَوَّلُ بِالِاسْتِرْقَاقِ، فَرُبَّمَا يَقُولُ لَا يَسْتَرِقُّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، لَا يَبْطُلُ النَّسَبُ بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُسْلِمِ فِي الْوَلَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ كَالْحُرِّيَّةِ الْمُتَأَكِّدَةِ بِالْإِسْلَامِ، لَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا بِالرِّقِّ.

(وَلَكِنَّا) نَقُولُ: سَبَبُ الْوَلَاءِ الْأَوَّلِ قَدْ انْعَدَمَ بِالِاسْتِرْقَاقِ وَهُوَ الْعِتْقُ، وَقُوَّةُ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهِ وَلَا بَقَاءَ لِلْحُكْمِ بَعْدَ بُطْلَانِ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَنِعَ الِاسْتِرْقَاقُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يَمْتَنِعُ إلَّا لِمَانِعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>