وَهِيَ الْعِصْمَةُ، وَلَا عِصْمَةَ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْوَلَاءِ كَمَا لَا عِصْمَةَ لَهُ بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُ الْحَرْبِيِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَالِدٌ مُسْلِمٌ، وَإِذَا صَارَ رَقِيقًا لِلثَّانِي فَأَعْتَقَهُ فَقَدْ اكْتَسَبَ سَبَبَ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ، فَلِهَذَا كَانَ مَوْلًى لَهُ حَرْبِيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ، فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ كَانَ عِتْقُهُ نَافِذًا، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَئِنْ ثَبَتَ الْوَلَاءُ فَهُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ، وَلَا حُرْمَةَ لِمِلْكِهِ، فَكَذَلِكَ لَا حُرْمَةَ لِأَثَرِ مِلْكِهِ، وَلَكِنْ بِإِحْرَازِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَبْطُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ.
حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا جَاءَ بِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأُسِرَ وَجَرَى عَلَيْهِ الرِّقُّ فَمُعْتِقُهُ مَوْلَاهُ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ الْعِتْقُ وَإِحْدَاثُ الْقُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَذَلِكَ بَاقٍ بَعْدَمَا صَارَ رَقِيقًا وَضَعُفَ حَالُهُ بِسَبَبِ الرِّقِّ، لَا يَكُونُ فَوْقَ ضَعْفِ حَالِهِ بِالْمَوْتِ، وَالْوَلَاءُ الثَّابِتُ لِلْمُعْتِقِ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَكَذَلِكَ بِرِقِّهِ. (فَإِنْ قِيلَ): الرِّقُّ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْوَلَاءِ بِالْعِتْقِ، وَإِنْ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمُكَاتَبِ، فَكَذَلِكَ يُنَافِي بَقَاءَهُ (قُلْنَا): لَا كَذَلِكَ وَلَكِنَّ الرَّقَّ مُنَافٍ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، وَعَلَيْهِ يَتَرَتَّبُ الْعِتْقُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْوَلَاءُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فِي إبْقَاءِ الْوَلَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَوْتِ فِي أَنَّهُ يُنَافِي الْمِلْكَ وَابْتِدَاءَ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَلَا يُنَافِي بَقَاءَهُ فَإِنْ مَاتَ مُعْتِقُهُ كَانَ مِيرَاثُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهُ رَقِيقٌ لَا يَرِثُهُ وَلَيْسَ لَهُ عَشِيرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نَصِيبُ كُلِّ مَالٍ ضَائِعٍ وَعَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ بِالْوَلَاءِ إلَى إنْسَانٍ فَإِنْ أُعْتِقَ هَذَا الْحَرْبِيُّ صَارَ مَوْلًى لِمُعْتِقِهِ، وَكَذَلِكَ مُعْتِقُهُ يَكُون مَوْلًى لَهُ بِوَاسِطَةِ أُمِّ وَلَدٍ لِحَرْبِيٍّ خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، فَهِيَ حُرَّةٌ تُوَالِي مَنْ شَاءَتْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا أَحْرَزَتْ نَفْسَهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَتْ قِنَّةً فَأَحْرَزَتْ نَفْسَهَا بِالدَّارِ كَانَتْ تُعْتَقُ لِمِلْكِهَا نَفْسَهَا، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُوَالِيَ مَنْ شَاءَتْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ سِتَّةً مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الطَّائِفِ خَرَجُوا مُسْلِمِينَ حِينَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَاصِرًا لَهُمْ، ثُمَّ خَرَجَ مَوَالِيهِمْ يَطْلُبُونَ وَلَاءَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ».
مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، أَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ هُنَاكَ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَسْلَمَ عَبْدُهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ فِي الْقِيَاسِ، وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute