للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجْرِي عَلَى الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَى هَذَا الْمُعْتِقِ الْحَرْبِيِّ وَلَاءٌ حِينَ أَسْلَمَ، فَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَجْعَلُهُ مَوْلَاهُ اسْتِحْسَانًا لِمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مِنْ «عِتْقِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ»، وَعِتْقِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَبْعَةً مِمَّنْ كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ تَعَالَى بِمَكَّةَ مِنْهُمْ صُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَكَانَ وَلَاؤُهُمْ لَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ، وَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مَكَّةُ دَارَ حَرْبٍ، وَإِنَّمَا صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ بَعْدَمَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا، وَأُمِرَ بِالْقِتَالِ فَجَرَى حُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعْتَقِينَ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَكَانُوا يُعَذَّبُونَ بِمَكَّةَ، وَالْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ.

حَرْبِيٌّ اشْتَرَى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأُسِرَ وَاسْتُرِقَّ، فَاشْتَرَاهُ مُعْتِقُهُ وَأَعْتَقَهُ فَوَلَاءُ الْأَوَّلِ لِلْآخَرِ، وَوَلَاءُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اكْتِسَابُ سَبَبِ الْوَلَاءِ فِي صَاحِبِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْوِلَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَجُوزُ نِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ بِالْأُخُوَّةِ إلَى صَاحِبِهِ، فَكَذَلِكَ نِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعْتَقَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ بِالْوَلَاءِ.

حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي أَدْخَلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَزَوَالُ الْعِصْمَةِ عَنْ مِلْكِ الْحَرْبِيِّ وَثُبُوتُ الْوَلَاءِ بِاعْتِبَارِ عِصْمَةِ الْمِلْكِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لِمِلْكِهِ عِصْمَةٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَاؤُهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ أَعْتَقَهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّمَا عَتَقَ لِمِلْكِهِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَلَّ لَهُ قَتْلُ مَوْلَاهُ وَأَخْذُ مَالِهِ، وَهُوَ قَاهِرٌ لِمَوْلَاهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُعْتَقُ بِمِلْكِهِ نَفْسَهُ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُعْتَقْ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِزًا نَفْسَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ هَذَا وَمِلْكُهُ نَفْسَهُ بِالْإِحْرَازِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ كَانَ مُحْرِزًا نَفْسَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ بِإِدْخَالِ الْحَرْبِيِّ إيَّاهُ دَارَ الْحَرْبِ، فَإِنْ بَاعَهُ الْحَرْبِيُّ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ حَرْبِيٍّ مِثْلِهِ، فَهُوَ حُرٌّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحَرْبِيِّ زَالَ عَنْهُ بِالْبَيْعِ، وَمِلْكَ الْحَرْبِيِّ مَتَى زَالَ عَنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَزُولُ إلَى الْعِتْقِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مُرَاغَمًا وَعِنْدَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>