الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ أُمِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ النِّسَاءِ بِالْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، وَكَانَ الْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهَا مِنْ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَرِثْ شَيْئًا كَانَتْ كَالْمَيِّتَةِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ الْأَبُ وَهُوَ حَيٌّ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ قَدْ اسْتَتَرَ بِاللِّعَانِ بَعْدَ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْهُ بِالْفِرَاشِ، وَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى حَقِّهِ، فَإِذَا ادَّعَاهُ فِي حَالِ قِيَامِ حَاجَتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَرَجَعَ وَلَاءُ مَوَالِيهِ الْعَتَاقَةِ وَالْمُوَالَاةِ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا عَقَلُوا عَنْهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَمَا كَانُوا مُتَبَرِّعِينَ فِي هَذَا الْأَدَاءِ بَلْ كَانُوا مُجْبَرِينَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا جَرَّ الْأَبُ وَلَاءَ الْوَلَدِ بَعْدَ مَا عَقَلَ عَنْهُ مَوَالِي الْأُمِّ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ عَاقِلَةَ الْأُمِّ أَدَّوْا مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ مَيِّتًا لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ الْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ لَهُ وَلَدٌ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ اسْتَغْنَى عَنْ النَّسَبِ فَدَعْوَى الْأَبِ لَا تَكُونُ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ بَلْ تَكُونُ دَعْوَى لِلْمِيرَاثِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ، فَإِنْ خَلَفَ الْوَلَدُ ابْنًا فَحَاجَةُ ابْنِ الِابْنِ كَحَاجَةِ الِابْنِ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَى الْأَبِ، وَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ بِنْتًا فَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ وَلَدًا، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ جَازَتْ دَعْوَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا عَنْ وَلَدٍ كَمَوْتِ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ عَنْ وَلَدٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ وَلَدَهَا مُحْتَاجٌ إلَى إثْبَاتِ نَسَبَ أُمِّهِ لِيَصِيرَ كَرِيمَ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ؛ لِأَنَّ نَسَبَ هَذَا الْوَلَدِ إلَى أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَّ أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْخِلَافَةِ فَلَا مُعْتَبِرَ بِوُجُودِ هَذَا الْوَلَدِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَنْسُوبًا إلَيْهَا، فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ مَاتَ لَاعَنَ وَلَدٌ فَادَّعَى الْأَبُ نَسَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرُ الْمِلْكِ وَلَوْ بَقِيَ لَهُ أَصْلُ الْمِلْكِ عَلَى الْعَبْدِ لَمْ يُصَدَّقْ وَهُوَ فِي الدَّعْوَةِ بِاعْتِبَارِهِ، فَبَقَاءُ الْوَلَاءِ أَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ مَنْ يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِالنَّسَبِ إذَا صَحَّتْ دَعْوَتُهُ، وَالْمَوْلَى لَا يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِالنَّسَبِ، وَإِذَا لَاعَنَ بِوَلَدَيْ تَوْأَمٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا وَمَاتَ فَادَّعَى الْأَبُ الْحَيُّ مِنْهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَبَقَاءُ أَحَدِهِمَا مُحْتَاجًا إلَى النِّسْبَةِ كَبَقَائِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute