بِالِاسْمِ سَوَاءٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ، فَيَقُولُ: وَأَبِيكَ وَأَبِي، ثُمَّ التَّاءُ تُسْتَعَارُ لِمَعْنَى الْوَاوِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُشَابَهَةِ، فَإِنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ إحْدَاهُمَا بِمَعْنَى الْأُخْرَى كَقَوْلِهِمْ تُرَاثُ وَوَارِثُ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ لِتَوْسِعَةِ صِلَةِ الْقَسَمِ بِاَللَّهِ خَاصَّةً، وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ذِكْرُ التَّاءِ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِاَللَّهِ حَتَّى لَا يُقَالَ: بِالرَّحْمَنِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بِاَللَّهِ خَاصَّةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: ٩١] {وتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: ٥٧]، ثُمَّ الْحَلِفُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَمِينٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَالِمِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ لَا يَكُون يَمِينًا، وَكَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ وَالرَّحْمَنِ: إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ سُورَةَ الرَّحْمَنِ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ بِالْقُرْآنِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْقُرْآنِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُفِيدُ دُونَ مَا لَا يُفِيدُ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يُجْعَلَ يَمِينًا، وَيَسْتَوِي إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: اللَّهِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ حَذْفَ بَعْضِ الْحُرُوفُ لِلْإِيجَازِ، قَالَ الْقَائِلُ:
قُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ ... لَا تَحْسَبَنَّ أَنِّي نَسِيتُ الْإِلْحَافْ
أَيْ وَقَفْت إلَّا أَنَّ عِنْدَ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ عِنْدَ حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ يُذْكَرُ مَنْصُوبًا بِانْتِزَاعِ حَرْفِ الْخَافِضِ مِنْهُ، وَعِنْدَ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يُذْكَرُ مَخْفُوضًا؛ لِتَكُونَ كَسْرَةُ الْهَاءِ دَلِيلًا عَلَى مَحْذُوفِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّ الْبَاءَ وَاللَّامَ يَتَقَارَبَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: ٧١] أَيْ آمَنْتُمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ، وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي تَفْسِيرِهِ إذَا قَالَ لَهُ، وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ يَكُونُ يَمِينًا، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْقَائِلِ
لِهَنِّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لِوَسِيمَةٍ ... عَلَى هَنَوَاتِ كَاذِبٍ مَنْ يَقُولُهَا
مَعْنَاهُ لِلَّهِ إنَّكَ.
وَلَوْ قَالَ: وَأَيْمُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَمَعْنَاهُ أَيْمُنُ فَهُوَ جَمْعُ الْيَمِينِ، وَهَذَا مَذْهَبُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ، وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ: مَعْنَاهُ وَاَللَّهِ وَأَيْمُ صِلَتِهِ كَقَوْلِهِمْ صَهٍ وَمَهْ، وَمَا شَاكَلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَعَمْرُو اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ بِاعْتِبَارِ النَّصِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: لَعَمْرُكَ} [الحجر: ٧٢]، وَالْعَمْرُو هُوَ الْبَقَاءُ، وَالْبَقَاءُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْبَاقِي، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِالصِّفَاتِ فَالْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ: الْحَلِفُ بِصِفَاتِ الذَّاتِ كَالْقُدْرَةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute