الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَأَمَرَ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُوقِعَ لِلطَّلَاقِ هُوَ الزَّوْجُ وَلَكِنْ بِعِبَارَةِ الْوَكِيلِ أَوْ بِعِبَارَتِهَا وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِي الطَّلَاقِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ بَلْ هُوَ مُعَبَّرٌ عَنْ الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ بِلِسَانِهِ فَحِينَئِذٍ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِطَلَاقِهَا، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي ضَمِيرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ خَلَعَهَا وَقَالَ: أَنْتِ بَائِنٌ حَنِثَ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ وَقَصَدَهُ بِيَمِينِهِ قَدْ أَتَى بِهِ.
وَلَوْ آلَى مِنْهَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ بَانَتْ وَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ فَعِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا وَقَعَ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِهِ مَوْجُودًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا رِوَايَتَانِ فِي إحْدَاهُمَا سَوَّى بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ الزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ شَرْعًا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَفِي الْأُخْرَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ هُنَا: لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مُبَاشِرًا لِلطَّلَاقِ، وَذَلِكَ شَرْطُ حِنْثِهِ، وَالْعِتْقُ قِيَاسُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ فِيهِ تَتَعَلَّقُ بِمَنْ وَقَعَ لَهُ دُونَ مَنْ بَاشَرَهُ.
فَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَالْعَاقِدُ لِغَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حُقُوقِ الْعَقْدِ، فَلَا يَصِيرُ الْحَالِفُ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ عَاقِدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَحِينَئِذٍ قَدْ شَدَّدَ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ لَا يُبَاشِرُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَقَيَّدُ بِمَا عُرِفَ مِنْ مَقْصُودِ الْحَالِفِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِالْآمِرِ دُونَ الْعَاقِدِ، وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُضِيفُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ، وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَهُ بِالْقَوْلِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ الْعَاقِدُ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute