للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَصُوغًا عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ مِمَّا لَهُ فُصُوصٌ فَهُوَ مِنْ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحُلِيِّ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ، وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ وَالْقِلَادَةُ وَالْقُرْطُ مِنْ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحُلِيِّ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا حَتَّى يَخْتَصَّ بِلُبْسِهَا مَنْ يَلْبَسُ الْحُلِيِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَعَدَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: ٣١] فَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ حُلِيًّا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَصَّعًا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ حُلِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: ٢٣] وَلِقَوْلِهِ {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: ١٤] وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ الْحُلِيِّ، فَالْمَرْأَةُ قَدْ تَلْبَسُ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ لِلتَّحَلِّي بِهَا وَلَكِنَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَاهَدَ الْعُرْفَ فِي عَصْرِهِ وَأَنَّهُمْ يَتَحَلَّوْنَ بِاللُّؤْلُؤِ مُرَصَّعًا بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَا يَتَحَلَّوْنَ بِاللُّؤْلُؤِ وَحْدَهُ فَبَنَى الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تُبْنَى مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُمَا أَظْهَرُ وَأَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْطَعُ بِهَذَا السِّكِّينِ فَكَسَرَهُ فَجَعَلَ مِنْهُ سِكِّينًا آخَرَ ثُمَّ قَطَعَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ كَسَرَهُ فَقَدْ زَالَ الِاسْمُ الَّذِي عَقَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الدَّارِ إذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ حَنِثَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَالْفَسَادُ وَالْجَوَازُ صِفَةٌ لَا يَنْعَدِمُ أَصْلُ الْعَقْدِ بِانْعِدَامِهَا كَالْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاضِي بِأَنْ قَالَ: مَا تَزَوَّجْت كَانَ عَلَى الْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ فَكَذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ مِلْكُ الْحِلِّ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَيْف وَقَدْ نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلَ الْعَقْدِ بِغَيْرِ شُهُودٍ حَيْثُ قَالَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ وَهُوَ الْمِلْكُ يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا تَأَكَّدَ بِالْقَبْضِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَبَّرَ الْكَلَامَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمَاضِي مِنْ النِّكَاحِ لَيْسَ مَقْصُودُهُ الْحِلَّ وَالْعِفَّةَ وَإِنَّمَا يَمِينُهُ فِي الْمَاضِي عَلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ يَتَحَقَّقُ عَنْ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا حَنِثَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ نَظِيرُ الْقَبُولِ فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: شَرْطُ حِنْثِهِ الْعَقْدُ وَبِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فَاسِدًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا، وَالْمِلْكُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَحْقِيقِ شَرْطِ الْحِنْثِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ حَنِثَ؟ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>