وَهَذَا وَالنِّكَاحُ سَوَاءٌ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ يَعُودُ إلَى الْقِيَاسِ فِي النِّكَاحِ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَتَقَ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؟ فَدَلَّ أَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ هُنَا غَيْرُ مُنْعَقِدٍ هُنَاكَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّاهَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا وَالنِّكَاحُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ الْعِبَادَةُ وَنَيْلُ الثَّوَابِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ»
(قَالَ) وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَسَجْدَةً اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ فِعْلٌ يَكُونُ بِهِ مُصَلِّيًا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ مُصَلِّيًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ: مِنْهَا الْقِيَامُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالسُّجُودُ، وَالرُّكُوعُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَكُلُّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا مُطْلَقًا مَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا بَعْدَ التَّكْبِيرِ مَجَازًا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْأَرْكَانِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُصَلِّيًا، فَإِذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ فَقَدْ أَتَى بِأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ فِي إتْمَامِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْقَعْدَةَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَشَرْطُهُ النِّيَّةُ فَلَمَّا أَصْبَحَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ رُكْنُ الصَّوْمِ فَيَتِمُّ بِهِ شَرْطُ حِنْثِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ يَوْمًا فَحِينَئِذٍ إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ اللَّيْلِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ صَوْمُ يَوْمٍ كَامِلٍ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِامْتِدَادِ الْإِمْسَاكِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
وَإِنْ حَلَفَ لَيُفْطِرَنَّ عِنْدَ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَفْطَرَ عَلَى مَاءٍ وَتَعَشَّى عِنْدَ فُلَانٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ بِرِّهِ الْفِطْرَ عِنْدَ فُلَانٍ وَقَدْ تَعَشَّى عِنْدَ فُلَانٍ وَمَا أَفْطَرَ عِنْدَهُ فَالْفِطْرُ الْحُكْمِيُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَحَقِيقَتُهُ بِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ فُلَانًا، وَإِنْ كَانَ نَوَى حِينَ حَلَفَ الْعَشَاءَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ يُذْكَرُ فِي الْعَادَةِ وَالْمُرَادُ الْعَشَاءُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: أَفْطَرْت عِنْدَ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يُفْطِرُ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ وَالْمُرَادُ التَّعَشِّي
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ بِكُوزِ فُلَانٍ فَصَبَّ فُلَانٌ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ كُوزِهِ فَتَوَضَّأَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ التَّوَضُّؤَ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ لَا يُغَيِّرُ الْكُوزَ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْكُوزِ غَيْرُهُ، وَكُوزُ الصُّفْرِ وَالْإِدَامِ وَغَيْر ذَلِكَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ يُسَمَّى كُوزًا عَادَةً فَأَمَّا إذَا تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ لِفُلَانٍ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute