للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا بَعْدَ مَا سَأَلَ عَنْ إحْصَانِهِ وَرَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ، وَحَدِيثُ الْعَسِيفِ حَيْثُ قَالَ: وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ: وَإِنَّ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الشَّيْخَ وَالشَّيْخَةَ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ حَدًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ هُمَا حَدُّ الْمُحْصَنِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ، ثُمَّ رَجَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِالسُّنَّةِ.

(وَحُجَّتنَا) حَدِيثُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ قَدْ رَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا، وَقَالَ: فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ عَنْ ارْتِكَابِ السَّبَبِ وَأَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ الزَّجْرِ بِعُقُوبَةٍ تَأْتِي عَلَى النَّفْسِ بِأَفْحَشِ الْوُجُوهِ فَلَا حَاجَةَ مَعَهَا إلَى الْجَلْدِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا حَدًّا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَدْ انْتَسَخَ وَقِيلَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ الْجَلْدُ فِي حَقِّ ثَيِّبٍ هُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ، وَالرَّجْمُ فِي حَقِّ ثَيِّبٍ هُوَ مُحْصَنٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ جَلَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ إحْصَانَهَا ثُمَّ عَلِمَ إحْصَانَهَا فَرَجَمَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْجَامِعِ

ثُمَّ سَبَبُ هَذَا الْحَدِّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالشَّهَادَةِ تَارَةً وَبِالْإِقْرَارِ أُخْرَى فَبَدَأَ الْكِتَابُ بِبَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ فَقَالَ وَالزِّنَا مُخْتَصٌّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُقُوقِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ فِيهِ مَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِاثْنَيْنِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ كَمَا يُثْبِتُ فِعْلَ الْوَاحِدِ يُثْبِتُ فِعْلَ الِاثْنَيْنِ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ السَّتْرَ عَلَى عِبَادِهِ وَإِلَى ذَلِكَ نَدَبَ وَذَمَّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فَلِتَحْقِيقِ مَعْنَى السَّتْرِ شُرِطَ زِيَادَةُ الْعَدَدِ فِي الشُّهُودِ عَلَى هَذِهِ الْفَاحِشَةِ وَإِلَيْهِ «أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِك وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِك» وَإِلَيْهِ أَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِين شَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَنَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالزِّنَا فَقَالَ لِزِيَادٍ وَهُوَ الرَّابِعُ بِمَ تَشْهَدُ فَقَالَ: أَنَا رَأَيْت أَقْدَامًا بَادِيَةً وَأَنْفَاسًا عَالِيَةً وَأَمْرًا مُنْكَرًا، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: رَأَيْتُهُمَا تَحْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>