للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِحَافٍ وَاحِدٍ يَنْخَفِضَانِ وَيَرْتَفِعَانِ وَيَضْطَرِبَانِ اضْطِرَابَ الْخَيْزُرَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: رَأَيْت رَجُلًا أَقْعَى وَامْرَأَةً صَرْعَى وَرِجْلَيْنِ مَخْضُوبَتَيْنِ وَإِنْسَانًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَلَمْ أَرَ مَا سِوَى ذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَفْضَحْ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي هَذَا بَيَانُ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ لِإِبْقَاءِ سَتْرِ الْعِفَّةِ

(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَتْ الْأَرْبَعَةُ بِالزِّنَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ؟ وَكَيْف هُوَ؟ وَمَتَى زَنَى؟ وَأَيْنَ زَنَى؟ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَفْسِرَهُمْ، أَمَّا السُّؤَالُ عَنْ مَاهِيَّةِ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي كُلِّ وَطْءٍ حَرَامٍ أَنَّهُ زِنًى وَلِأَنَّ الشَّرْعَ سَمَّى الْفِعْلَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ زِنًى قَالَ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُ» وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا حَتَّى فَسَّرَ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرَّشَا فِي الْبِئْرِ؟ وَقَالَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ: لَعَلَّك قَبَّلْتهَا، لَعَلَّك مَسِسْتهَا حَتَّى إذَا ذَكَرَ الْكَافَ وَالنُّونَ قَبْلَ إقْرَارِهِ.

وَالزِّنَا لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ الضِّيقُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ

فَلِهَذَا سَأَلَهُمْ عَنْ مَاهِيَّةِ الزِّنَا وَكَيْفِيَّتِهِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ الْوَقْتِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ مُتَقَادِمًا فَإِنَّ حَدَّ الزِّنَا بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقَامُ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ عِنْدَنَا وَالسُّؤَالُ عَنْ الْمَكَانِ لِتَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْإِمَامِ وَالسُّؤَالُ عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ مَاعِزًا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الْآنَ أَقْرَرْت أَرْبَعَةً فَبِمَنْ زَنَيْت وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِكَاحٌ أَوْ شُبْهَةُ نِكَاحٍ فِي الْمَفْعُولِ بِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلشُّهُودِ فَإِذَا فَسَّرُوا تَبَيَّنَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَنْدُوبٌ إلَى الِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْحَدِّ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَلَقَّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ بِقَوْلِهِ أَسَرَقَ مَا إخَالُهُ سَرَقَ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اُطْرُدُوا الْمُعْتَرِفِينَ يَعْنِي الَّذِينَ يُقِرُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَمِنْ أَسْبَابِ احْتِيَالِ الدَّرْءِ أَنْ يَسْتَقْصِيَ مَعَ الشُّهُودِ وَلِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَا إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَسْتَقْضِي لِلتَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ عَدَالَةَ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّى سَبِيلَهُ هَرَبَ فَلَا يَظْفَرُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا وَجْهَ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا بُنِيَ عَلَى الدَّرْءِ.

(فَإِنْ قِيلَ) الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَبْسِ أَظْهَرُ (قُلْنَا) حَبْسُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>