للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ وَطِئَهَا، الْمُعْتِقُ وَالسَّاكِتُ فِيهِ سَوَاءٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّى، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُتَعَارِضَةٌ فِي تَجَزِّي الْعِتْقِ، وَبَيْنَ الصَّحَابَةِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُ الْوَاطِئِ حَتَّى لَا يُحَدَّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْءَ غَيْرِ مَمْلُوكٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْوَاطِئِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ

(قَالَ) رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا فِي عِدَّتِهَا، فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَفِي الْأَصْلِ أَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً وَالْمُرَادُ الْخُلْعُ، فَأَمَّا مَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْبَيْنُونَةِ قَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ بَعْدَ الْخُلْعِ وَالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ هِيَ مُعْتَدَّةٌ، وَبِسَبَبِ الْعِدَّةِ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْيَدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَ الْيَدِ مُعْتَبَرٌ فِي الِاشْتِبَاهِ فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ وَإِلَّا فَلَا.

(فَإِنْ قِيلَ) بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا جُمْلَةً هَلْ يَقَعُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا؟ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ.

(قُلْنَا) هَذَا خِلَافٌ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ حَتَّى لَا يَسَعَ الْقَاضِيَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ، وَلَوْ قَضَى لَا يُنَفَّذُ قَضَاؤُهُ، أَرَأَيْتُ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَكُنَّا نُسْقِطُ الْحَدَّ بِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّتُهُ عَنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُخْتَلِعَةِ، وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ لِارْتِكَابِهِ وَطْئًا حَرَامًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ.

(قَالَ) وَإِذَا حَرُمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا بِرِدَّتِهَا أَوْ مُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ مَعَ أُمِّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَفِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ النِّكَاحِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْخُلْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ؟ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي عِدَّتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَتَوَقَّفُ زَوَالُ الْمِلْكِ بِالرِّدَّةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ وَمَنْ لَا يُثْبِتُ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ الْحَرَامُ» وَهَذَا خِلَافٌ ظَاهِرٌ لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَكَذَلِكَ إنْ أَبَانَهَا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٍ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ بِذَلِكَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ جَامَعَهَا ثُمَّ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ هِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً حُكْمِيَّةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ يَنْوِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>