للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ هِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّبْهَةَ الْحُكْمِيَّةَ مُسْقِطَةٌ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ بِالْحُرْمَةِ أَوْ يَعْلَمُ كَالْأَبِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ

(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ إذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا، وَالزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ بِدُونِ الْمَحَلِّ لَا يَتَحَقَّقُ وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَأَوْهَا يَفْعَلُ بِهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْحَدِّ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا خَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ بَطَلَتْ حِينَ لَمْ يُبَيِّنُوا الشَّهَادَةَ فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالزِّنَا، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا فَحَدُّ الزِّنَا لَا يُقَامُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً، وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْرِفُ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ فِعْلَهُ بِهَا لَا يَكُونُ زِنًى، فَلَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِفِعْلِ الزِّنَا فِي مَحَلِّهِ، وَأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِذَلِكَ

(قَالَ) أَرْبَعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ، أَمَّا عَلَيْهِ فَلِأَنَّ ظُهُورَ الزِّنَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةُ الْفُسَّاقِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا فِيهَا بِالتَّوَقُّفِ بِالنَّصِّ، وَأَمَّا عَلَيْهِمْ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَهُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا حَتَّى إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ فَيَكُونُ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَامَ الْقَاذِفُ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ يَسْقُطُ بِهِ - الْحَدُّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] وَهَذَا أَتَى بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةً فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا شَهَادَةَ لَهُمْ بَلْ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْقَاذِفِ بِقَذْفِهِ، وَإِنْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ عَبِيدًا حُدُّوا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ فَكَانَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا فِي الْأَصْلِ، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ لَهُ شَهَادَةُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ وَحَكَمَ بِكَذِبِهِ، وَالْعُمْيَانُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَلَيْسَ لِلْأَعْمَى هَذِهِ الْآلَةُ فَكَانَ كَلَامُهُمْ قَذْفًا مِنْ الْأَصْلِ.

وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً أَحَدُهُمْ زَوْجُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ تُقْبَلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ اللِّعَانِ فَإِذَا كَانَتْ الثَّلَاثَةُ كُفَّارًا وَالزَّوْجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>