مُسْلِمًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ فَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَقَذْفُ الزَّوْجِ مُوجِبٌ لِلِّعَانِ
(قَالَ) وَإِنْ جَاءَ شُهُودُ الزِّنَا فَشَهِدُوا بِهِ مُتَفَرِّقِينَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَجَالِسِ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُقُوقِ، وَمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ الزِّنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ عَدَدُ الْأَرْبَعَةِ فِي الشُّهُودِ فَاشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَا أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَمَّا شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَامْتَنَعَ زِيَادٌ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ مَجِيءَ رَابِعٍ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا، فَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُ الْمَجْلِسِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَانْتَظَرَ مَجِيءَ رَابِعٍ لِيَدْرَأَ بِهِ الْحَدَّ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْكِتَابِ ذَكَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَوْ جَاءَ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ فُرَادَى حَدَدْتُهُمْ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الزِّنَا قَذْفٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ بِتَكَامُلِ الْعَدَدِ يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا فَيَصِيرُ حُجَّةً لِلْحَدِّ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا بِهِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمُغَيَّرِ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَالْقَبُولِ مَعَ الْإِيجَابِ، فَإِنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ بِعَقْدٍ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ يَصِيرُ عَقْدًا فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ لِيَصِيرَ الْإِيجَابُ بِهِ عَقْدًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَذْفٌ مُفْتَرِقٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُجَّةٌ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ.
وَلِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ تَأْثِيرٌ فِي جَمْعِ مَا تَفَرَّقَ مِنْ الْكَلَامِ فَإِذَا كَانَ الْمَجْلِسُ وَاحِدًا جُعِلَ كَلَامُهُمْ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَفَرَّقَتْ الْمَجَالِسُ، وَإِنْ كَانُوا فِي مَقْعَدٍ وَاحِدٍ عَلَى بَابِ الْقَاضِي فَقَامَ إلَى الْقَاضِي وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَفِي الْقِيَاسِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ أَيْضًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ بِهَذَا لَا يَحْصُلُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِأَنْ يَجْلِسُوا جَمِيعًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَيَشْهَدُوا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ هُنَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَاتِ اجْتَمَعَتْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا مِنْ الْقَاضِي مُبَالَغَةٌ فِي الِاحْتِيَاطِ لِيَنْظُرَ أَنَّهُمْ هَلْ يَتَّفِقُونَ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ كَلَامَ بَعْضٍ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْقَدْرَ مِنْ التَّفَرُّقِ وَجَبَ اعْتِبَارُ تَفَرُّقِ الْأَدَاءِ، وَإِنْ جَلَسُوا جَمِيعًا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاؤُهُمْ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ سَمَاعِ كَلَامِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ: زَنَى بِهَا فِي دَارِ فُلَانٍ آخَرَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا حَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute