للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْمُرُهُ بِمُلَازَمَتِهِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا حَقِيقَةُ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَبِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا تُقَامُ الْعُقُوبَةُ عَلَى أَحَدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِيَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَا: إنَّ حَدَّ الْقَذْفِ فِي الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ بِمَنْزِلَةِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ الْخَصْمِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ الْقَاضِي كَفِيلًا بِنَفْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَمَا فِي الْأَمْوَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لِلْمُدَّعِي، وَلِهَذَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ عِنْدَ طَلَبِهِ، وَهُوَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْكَفِيلِ فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْخُصُومَةِ إثْبَاتُ الْحَدِّ وَالْكَفَالَةُ لِلتَّوَثُّقِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالْحَدُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ فَلَا يُحْتَاطُ فِيهِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ، كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُ الْخَصْمَ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ، وَلَكِنْ إنْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ فَأَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ صَحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، كَمَا قُلْنَا، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْرِفُ هَذَا الشَّاهِدَ بِالْعَدَالَةِ فَهُوَ وَمَا لَمْ يُقِمْ الشَّاهِدُ سَوَاءٌ لَا يَحْبِسُهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ هَذَا الشَّاهِدَ بِالْعَدَالَةِ فَادَّعَى أَنَّ شَاهِدَهُ الْآخَرَ حَاضِرٌ حَبَسَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَفْعَلُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ بِحَالٍ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: قَدْ تَمَّ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ لِلشَّهَادَةِ شَرْطَيْنِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ، فَلَوْ تَمَّ الْعَدَدُ حَبَسَهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ صِفَةُ الْعَدَالَةِ قُلْنَا: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَيُمْهِلُهُ فِي ذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَيَحْبِسُهُ هَذَا الْمِقْدَارَ اسْتِحْسَانًا، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِي الْحَدِّ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ

(قَالَ) وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَسْلَمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَذَفَهُمَا رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ

(قَالَ) وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ مُكَاتَبَتُهُ فَقَذَفَهُ رَجُلٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَبَعْدَ ثُبُوتِ الْقَذْفِ يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ يُرِيدُ بِهِ إنَّهُ إذَا زَعَمَ الْقَاذِفُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ عَبْدٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُرِّيَّةَ الثَّابِتَةَ بِالظَّاهِرِ لَا تَكْفِي لِثُبُوتِ الْإِحْصَانِ وَاسْتِحْقَاقِ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى الْقَاذِفُ أَنَّهُ عَبْدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>