للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِهِ، فَجَاءَ إلَى أَبِيهِ يَشْكُو أَبَا سَعِيدٍ فَدَعَاهُ فَقَالَ: لِمَ ضَرَبْتَ ابْنِي، فَقَالَ: مَا ضَرَبْتُ ابْنَكَ إنَّمَا ضَرَبْتُ الشَّيْطَانَ، قَالَ: لِمَ تُسَمِّي ابْنِي شَيْطَانًا قَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَرَادَ مَارٌّ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» يَعْنِي بِأَعْمَالِ الصَّلَاةِ، وَتَأْوِيلُ حَدِيث أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ.

(وَيُكْرَهُ لِلْمَارِّ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَا عَلَيْهِ لَوَقَفَ، وَلَوْ إلَى أَرْبَعِينَ» وَلَمْ يُوَقِّتْ يَوْمًا وَلَا شَهْرًا وَلَا سَنَةً. (وَحَدُّ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِ، وَقِيلَ بِقَدْرِ الصَّفَّيْنِ)، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّي لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ فَإِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ، وَحَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنَّ الْخَطَّ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بُعْدٍ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ إمَّا طُولًا شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ أَوْ عَرْضًا شِبْهَ الْمِحْرَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَتَّخِذْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطَّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا» وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَمْ نَأْخُذْ بِهِ لِهَذَا.

قَالَ: (وَإِذَا انْفَرَدَ الْمُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ الصَّفِّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ) وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» وَعَنْ فُرَافِصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي فِي حُجْرَةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَقَالَ: أَعِدْ صَلَاتَك فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ».

(وَلَنَا) حَدِيثُ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: فَأَقَامَنِي وَالْيَتِيمَ مِنْ وَرَائِي وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ وَرَاءَنَا»، فَقَدْ جَوَّزَ اقْتِدَاءَهَا وَهِيَ مُنْفَرِدَةٌ خَلْفَ الصَّفِّ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُفْسِدُ صَلَاةَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا خَلْفَهُمَا مَعَ النَّهْيِ عَنْ الِانْفِرَادِ، فَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا صِيَانَةً لِصَلَاتِهِمَا «، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعٌ فَكَبَّرَ وَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ حَتَّى لَصِقَ بِالصَّفِّ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ أَوْ قَالَ: لَا تُعِدْ»، فَقَدْ جَوَّزَ اقْتِدَاءَهُ بِهِ وَهُوَ خَلْفَ الصَّفِّ. يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُرَاهِقٌ تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَصَلَاةُ الْمُرَاهِقِ تَخَلُّقٌ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْفَرِدٌ خَلْفَ الصَّفِّ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ كَانَ بِجَنْبِهِ كَانَ مُحْدِثًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ خَلْفَ الصَّفِّ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ نَفْيُ الْكَمَالِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>