«لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَالْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ شَاذٌّ، وَلَوْ ثَبَتَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي حُجْرَةٍ مِنْ الْأَرْضِ أَيْ نَاحِيَةٍ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى عِنْدَنَا أَنْ يَخْتَلِطَ بِالصَّفِّ إنْ وَجَدَ فُرْجَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ يَنْتَظِرُ مَنْ يَدْخُلُ فَيَصْطَفَّانِ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ وَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةَ جَذَبَ مِنْ الصَّفِّ إلَى نَفْسِهِ مَنْ يَعْرِفُ مِنْهُ عِلْمًا وَحُسْنَ الْخُلُقِ لِكَيْ لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ فَيَصْطَفَّانِ خَلْفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْجَرَّ إلَيْهِ أَحَدٌ حِينَئِذٍ يَقِفُ خَلْفَ الصَّفِّ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْمُقْتَدِي حَائِطٌ أَجْزَأَتْهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُجْزِئُهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ.
وَفِي الْحَاصِلِ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الْحَائِطُ قَصِيرًا دَلِيلًا يَعْنِي بِهِ الصَّغِيرَ جِدًّا حَتَّى يَتَمَكَّنَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ كَحَائِطِ الْمَقْصُورَةِ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ أَوْ خَوْخَةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ: لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ أَنَّهُ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا ظَهَرَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ كَالصَّلَاةِ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقِفُونَ وَرَاءَ الْكَعْبَةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ حَائِطُ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ يَمُرُّ النَّاسُ فِيهِ أَوْ نَهْرٌ عَظِيمٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَلَيْسَ مَعَهُ، وَالْمُرَادُ طَرِيقٌ تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ فَمَا دُونَ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَا طَرِيقٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهْرِ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَمَا دُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْجِدَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً عَلَى الطَّرِيقِ جَازَ الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ بِاتِّصَالِ الصُّفُوفِ خَرَجَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمَرًّا لِلنَّاسِ وَصَارَ مُصَلًّى فِي حُكْمِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى النَّهْرِ جِسْرٌ وَعَلَيْهِ صَفٌّ مُتَّصِلٌ فَبِحُكْمِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ صَارَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ.
قَالَ: (وَالْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ) يَعْنِي الْمُقْتَدِي، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُقْتَدِي إذَا فَتَحَ عَلَى الْمُصَلِّي تَفْسُدُ بِهِ صَلَاةُ الْمُصَلِّي، وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي إذَا فَتَحَ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ، وَالْقَارِئُ إذَا اسْتَفْتَحَ غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: بَعْدَ مَا قَرَأْتَ مَاذَا فَذَكِّرْنِي، وَاَلَّذِي يُفْتَحُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ مَا قَرَأْتُ كَذَا فَخُذْ مِنِّي، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ يَشْكُلْ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُصَلِّي، فَأَمَّا الْمُقْتَدِي إذَا فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ هَكَذَا فِي الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ حَرْفًا، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute