فَرَغَ قَالَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ أُبَيٌّ، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: هَلَّا فَتَحْتَ عَلَيَّ فَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا نُسِخَتْ، فَقَالَ: لَوْ نُسِخَتْ لَأَنْبَأْتُكُمْ بِهَا» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: إذَا اسْتَطْعَمَكَ الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ وَابْنُ عُمَرَ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ سُورَةً، فَقَالَ نَافِعٌ: {إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: ١] فَقَرَأَهَا، وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَقْصِدُ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ، فَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فَلِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ قُلْنَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَبِهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُحْوِجَهُ إلَى ذَلِكَ بَلْ يَرْكَعُ أَوْ يَتَجَاوَزُ إلَى آيَةٍ أَوْ سُورَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَخَافَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَحِينَئِذٍ يُفْتَحُ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا اسْتَطْعَمَكَ الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ وَهُوَ مُلِيمٌ أَيْ مُسْتَحِقُّ اللُّوَّمِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجَ الْمُقْتَدِيَ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يَنْوِي بِالْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ التِّلَاوَةَ وَهُوَ سَهْوٌ، فَقِرَاءَةُ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَالْفَتْحُ عَلَى إمَامِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَا يَدَعُ نِيَّةَ مَا رُخِّصَ لَهُ بِنِيَّةِ شَيْءٍ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَقَتْلُ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ» «وَلَدَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْرَبٌ فِي صَلَاتِهِ فَوَضَعَ عَلَيْهِ نَعْلَهُ وَغَمَزَهُ حَتَّى قَتَلَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ لَا تُبَالِي نَبِيًّا وَلَا غَيْرَهُ، أَوْ قَالَ مُصَلِّيًا وَلَا غَيْرَهُ»، وَلِأَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ ذَاكَ وَقِيلَ: هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَقْرَبِ، فَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى مُعَالَجَةٍ وَضَرَبَاتٍ فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ كَمَا لَوْ قَاتَلَ إنْسَانًا فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ كَثِيرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُصَلِّي فَهُوَ كَالْمَشْيِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ، وَإِذَا رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمَلٌ قَلِيلٌ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ أَذَاهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي أَذَى الطَّيْرِ مَا يُحْوِجُهُ إلَى هَذَا لِدَفْعِ أَذَاهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ فِيهِ.
وَإِنْ أَخَذَ قَوْسًا وَرَمَى بِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ عَابُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا اللَّفْظِ، وَقَالُوا: الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ إسْقَاطُهُ مِنْ يَدِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: يَرْمِي إذَا رَمَى بِالسَّهْمِ غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لِمُحَمَّدٍ كَانَ تَعْلِيمَ عَامَّةِ النَّاسِ، وَوَجَدَ هَذَا اللَّفْظَ مَعْرُوفًا فِي لِسَانِ الْعَامَّةِ فَلِهَذَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، فَإِنَّ أَخْذَ الْقَوْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute