للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْقَطْعَ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، وَفِي تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ إتْلَافٌ حُكْمِيٌّ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ، وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ أَضَافَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَكَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَطَعَك فَقَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ بِالْيَمَنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ ثُمَّ أَغَارَ عَلَى حُلِيٍّ لِأَسْمَاءِ فَسَرَقَهُ ثُمَّ أَصْبَحَ يَدْعُو مَعَ الْقَوْمِ عَلَى مَنْ سَرَقَ أَهْلَ الْبَيْتِ الصَّالِحِ، وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَظْهِرْ فَلَمْ يَقُمْ الْقَوْمُ حَتَّى أُتِيَ بِصَائِغٍ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَهُ الْحُلِيُّ فَقَالَ أَتَانِي بِهِ هَذَا الْأَقْطَعُ وَاعْتَرَفَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَعِزَّتُهُ بِاَللَّهِ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ سَرِقَتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَجْهَلَك بِاَللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يُقْطَعَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّهُ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَلَيْسَ لِحِكَايَةِ الْحَالِ عُمُومًا فَعِنْدَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ يَضْعُفُ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَالْإِشْكَالُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ضَيْفًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالضَّيْفُ إذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمُضِيفِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّ بَيْتَ الضِّيَافَةِ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ بَيْتِ الْعِيَالِ فَلَمْ يَكُنْ الضَّيْفُ مَأْذُونًا فِي بَيْتِ الْعِيَالِ فَلِهَذَا قَطَعَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى ظَاهِرِ حَالِ الرَّجُلِ فِي دُعَائِهِ وَصَلَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثُمَّ كَانَ مَقْصُودُهُ السَّرِقَةَ لَا الصَّلَاةَ وَتَمَامُ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ نُبَيِّنُهُ فِي الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَذُكِرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَارِقٍ فَقَالَ: أَسَرَقْت مَا إخَالُهُ سَرَقَ، فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: تُبْ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ: تُبْت إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مَنْدُوبٌ إلَى الِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْحَدِّ وَتَلْقِينِ الْمُقِرِّ الرُّجُوعَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ أَوْ بِسَارِقَةٍ فَقَالَ: أَسَرَقْت قُولِي لَا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِسَوْدَاءَ يُقَالُ لَهَا سَلَّامَةُ فَقَالَ: أَسَرَقْت قُولِي لَا، قَالُوا: أَتُلَقِّنُهَا؟ قَالَ: جِئْتُمُونِي بِأَعْجَمِيَّةٍ لَا تَدْرِي مَا يُرَادُ بِهَا حِينَ تُفَسِّرُ فَأَقْطَعُهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إذَا رَجَعَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ مَنَابَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَدَّ لَا بِحَضْرَتِهِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ لِلزَّجْرِ لَا لِلْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْحَسْمِ بَعْدَ الْقَطْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>