كَانَ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ مَعَ الشُّبْهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَرُدَّ إقْرَارُهُ فَيَبْقَى الْمَالُ مَمْلُوكًا لِمَنْ فِي يَدِهِ أَوْ كَانَ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ ضَيْفًا عِنْدَهُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِحُضُورِ وَكِيلِهِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَشَرْطُ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغَيْرِ
(قَالَ) وَإِذَا حَضَرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَحْضُرَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الشُّهُودِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ بَعْدَ غَيْبَةِ الشُّهُودِ وَمَوْتِهِمْ إلَّا الرَّجْمَ خَاصَّةً، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هَاهُنَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي كُلِّ عُقُوبَةٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مَعَ غَيْبَةِ الشُّهُودِ اسْتِيفَاءٌ مَعَ الشُّبْهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ أَوْ اُبْتُلِيَا بِمَا يُسْقِطُ شَهَادَتَهُمَا وَرُجُوعُ الشَّاهِدِ فِي الْعُقُوبَاتِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا فَقَالَ الْغَيْبَةُ وَالْمَوْتُ لَا تَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الشَّاهِدِ وَالشَّرْطُ بَعْدَ الْأَدَاءِ عَدَالَتُهُ، فَلِهَذَا لَا يُمْتَنَعُ الْإِقَامَةُ لِغَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ إلَّا الرَّجْمُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْبِدَايَةُ بِالشُّهُودِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْعَارِضَ فِي شُهُودِ السَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ مَانِعٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ، وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ اسْتِرْدَادِ عَيْنِ الْمَسْرُوقِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ فَتَتَأَكَّدُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ الْحَدِّ، وَلِهَذَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي السَّرِقَةِ بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ
(قَالَ) وَإِذَا سَرَقَ الرَّجُلُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً مِنْ رَجُلَيْنِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ نِصَابٌ كَامِلٌ فَلَا يَخْتَلِفُ مَقْصُودُ السَّارِقِ بِتَعَدُّدِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَوْ اتِّحَادِهِ.
(قَالَ)، وَإِنْ سَرَقَ رَجُلَانِ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُقْطَعَا؛ لِأَنَّ سَرِقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ النِّصَابِ، فَإِنَّ عِنْدَ تَعَدُّدِ السُّرَّاقِ لَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ قَلَّ مَا يَرْغَبُ فِيهِ، وَلَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ السَّارِقَ وَاحِدٌ وَالنِّصَابَ كَامِلٌ يَرْغَبُ الْوَاحِدُ فِي أَخْذِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّارِقَيْنِ مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّعَاوُنَ مِمَّا يَزِيدُ رَغْبَةَ السَّارِقِ فِي الِاجْتِرَاءِ عَلَى فِعْلِ السَّرِقَةِ فَالْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الزَّاجِرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَظْهَرُ، وَهُوَ نَظِيرُ الصَّدَاقِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةً فِي حَقِّهِمَا، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عَشْرَةً فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الثَّوْبِ وَخَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْبِضْعَ لَا يَتَمَلَّكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute