للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقَطْعَ مِنْ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الْكَافِرِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ تَظْهَرْ شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا حُجَّةٌ فِي فِعْلٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْكَافِرُ لَا فِي فِعْلٍ يُشَارِكُهُ الْمُسْلِمُ فِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا نَظِيرُهُ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الثَّوْبِ فَنِصْفُهُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ فَشَهَادَتُهُمَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِيهِ وَنِصْفُهُ فِي يَدِ الْكَافِرِ فَشَهَادَتُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْكَافِرِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ لِلْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الثَّوْبِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَرِدَّهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا فِي مِلْكِ الثَّوْبِ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ

(قَالَ) وَيُسْتَحَبُّ لِشَاهِدَيْ السَّرِقَةِ أَنْ لَا يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِيَنْدَرِئَ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَنَا لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، وَهَذَا خِطَابٌ لِكُلِّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ يَقْصِدُ إبْقَاءَ السِّتْرِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا رَدَّ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ: إذًا يَذْهَبُ مَتَاعِي وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ مَتَاعُ هَذَا أَخَذَهُ هَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَا السَّرِقَةَ؛ لِأَنَّهُمَا نُدِبَا إلَى السَّتْرِ عَلَيْهِ وَنُهِيَا عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُسْلِمِ فَالطَّرِيقُ الَّذِي يُعْتَدَلُ فِيهِ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَا بِلَفْظِ الْأَخْذِ دُونَ السَّرِقَةِ لِيَكُونَ الْآخِذُ مُجْبَرًا عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ حَالَ قِيَامِهَا وَعَلَى رَدِّ الْقِيمَةِ عِنْدَ هَلَاكِهَا فَيَتَوَصَّلُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ إلَى حَقِّهِ وَلَا يَنْتَهِكُ سِتْرَ الْآخِذِ وَهُمَا صَادِقَانِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَالسَّارِقُ أَخَذَ الْمَتَاعَ لَا مَحَالَةَ.

وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ أَوْ فِي بَيْتِهِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ وَسِعَ الشَّاهِدَانِ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ لِفُلَانٍ الَّذِي كَانَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الْمِلْكِ إلَّا الْيَدَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ عَايَنَ الشِّرَاءَ فَالْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَعْرِفُ مِلْكَهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ الِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَسَائِرُ الْأَسْبَابِ إنَّمَا يُوجَبُ الْمِلْكُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ إحْرَازَ الشَّيْءِ يَكُونُ بِالْيَدِ وَبِالْإِحْرَازِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَلَوْ رَآهُ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَرَاهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ أَحَدٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِي قَدْ تَتَنَوَّعُ قَدْ تَكُونُ يَدَ مِلْكٍ وَقَدْ تَكُونُ يَدَ أَمَانَةٍ وَقَدْ تَكُونُ يَدَ غَصْبٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَالْيَدُ مَعَ التَّصَرُّفِ تَتَنَوَّعُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>