للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُضَارِبَ مُتَصَرِّفٌ؟ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: الشَّاهِدُ يَبْنِي عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّ مَا وَرَاءَهُ غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا؟ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَشُهُودُ الدَّيْنِ يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَانٍ وَلَعَلَّ الْبَرَاءَةَ وَقَعَتْ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ

(قَالَ) وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الْمَتَاعَ وَذَهَبَ بِهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا مُحَرَّزًا عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ كَمَا لَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَخْذُ الْمَالِ لَا دُخُولُ الْحِرْزِ، وَبِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ الْجُوَالِقِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ قُطِعَتْ يَدُهُ، فَكَذَلِكَ فِي الْبَيْتِ.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اللِّصُّ إذَا كَانَ ظَرِيفًا لَا يُقْطَعُ، قِيلَ: وَكَيْف ذَلِكَ؟ قَالَ أَنْ يَنْقُبَ الْبَيْتَ فَيُدْخِلَ يَدَهُ وَيُخْرِجَ الْمَتَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ، وَلِأَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ مُعْتَبَرٌ لِإِيجَابِ الْقَطْعِ وَشَرْطُ الْحَدِّ وَسَبَبُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ وَأَكْمَلُ جِهَةِ هَتْكِ الْحِرْزِ فِي الْبُيُوتِ أَنْ يَدْخُلَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجُوَالِقِ فَالدُّخُولُ فِيهِ لَا يَتَأَتَّى، وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ أَيْضًا فَيَتِمُّ هَتْكُ الْحِرْزِ بِإِدْخَالِ الْيَدِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ مِنْهُ، وَكَمَالُ أَخْذِ الْمَالِ مَقْصُودٌ فَدُخُولُ الْحِرْزِ كَذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْجُهَّالِ مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْجَلَادَةِ مِنْ نَفْسِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِصَاحِبِ الْحِرْزِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ قَصْدٌ إلَى أَخْذِ مَالِهِ

(قَالَ) وَإِنْ دَخَلَ الْحِرْزَ وَجَمَعَ الْمَتَاعَ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى أَخَذَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ تَمَامَ السَّرِقَةِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ فَمَقْصُودُ السَّارِقِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَقَبْلَ تَتْمِيمِ السَّبَبِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِأَخْذِ الْمَالِ الْمُحْرَزِ وَالْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ تَتْمِيمَ فِعْلِ السَّرِقَةِ بَلْ لِلنَّجَاةِ مِنْ صَاحِبِهِ، وَهُوَ كَحَدِّ الزِّنَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْإِيلَاجِ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ نَفْسَهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: هُنَاكَ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فِي الْإِيلَاجِ وَهَا هُنَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فِي صَرْفِ الْمَسْرُوقِ إلَى شَهَوَاتِهِ وَحَاجَاتِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَلَا يُقْطَعُ إذَا أَخَذَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ.

(قَالَ) فَإِنْ نَاوَلَ صَاحِبًا لَهُ عَلَى الْبَابِ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الَّذِي وَقَفَ خَارِجَ الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ الْحِرْزَ وَالْآخَرُ لَمْ يُخْرِجْ الْمَالَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْحِرْزِ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي يَدِهِ مَالٌ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا؟ إذْ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنْ كَانَ الْخَارِجُ أَدْخَلَ يَدَهُ حَتَّى تَنَاوَلَ الْمَتَاعَ فَالْقَطْعُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ أَخْرَجَ يَدَهُ مَعَ الْمَتَاعِ حَتَّى أَخَذَ الْخَارِجُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>