التَّمَوُّلِ وَالِادِّخَارِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَفُوتُ فِي الْكَفَنِ، فَإِنَّ الْكَفَنَ مَعَ الْمَيِّتِ يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ لِلْبِلَى، وَلِهَذَا يُوضَعُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ مِنْ الْبَلَاءِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ اغْسِلُوا ثَوْبَيْ هَذَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَالْحَيُّ مِنْ الْمَيِّتِ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ.
فَأَمَّا انْعِدَامُ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ فَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَالِكٍ وَالْكَفَنُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ، وَلَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمَشْغُولَ بِحَاجَةِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْكَفَنِ وَهُوَ الدَّيْنُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ؟ فَالْكَفَنُ أَوْلَى، وَلَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ مُنَافٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، فَإِنَّ الْمِلْكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحَيَاةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوَصْفَ مُخْتَلٌّ أَيْضًا.
فَأَمَّا الْحِرْزِيَّةُ فَنَقُولُ الْكَفَنُ غَيْرُ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ بِالْحَافِظِ وَالْمَيِّتُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ غَيْرَهُ وَالْمَكَانُ حُفْرَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا يَكُونُ حِرْزًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ حِرْزًا لِثَوْبٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ حِرْزَ الثَّوْبِ أَنْ يَكُونَ حِرْزُ الثَّوْبِ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ حِرْزًا قَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا إحْرَازَ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يَدْفِنُونَ الْمَيِّتَ لِلْمُوَارَاةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَمَا يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ السِّبَاعِ لَا لِلْإِحْرَازِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّفْنَ يَكُونُ فِي مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ، وَمَنْ دَفَنَ مَالًا عَلَى قَصْدِ الْإِحْرَازِ، فَإِنَّهُ يُخْفِيهِ عَنْ النَّاسِ، وَإِذَا فَعَلَهُ فِي مَلَإٍ مِنْهُمْ عَلَى قَصْدِ الْإِحْرَازِ يُنْسَبُ إلَى الْجُنُونِ، وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ مُضَيِّعٌ، وَلَكِنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى حَاجَتِهِ وَصَرْفُ الشَّيْءِ إلَى الْحَاجَةِ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا، وَلَا إحْرَازًا كَتَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ لَا يَكُونُ تَضْيِيعًا، وَلَا إحْرَازًا.
وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ سَوَاءٌ نَبَشَ الْكَفَنَ أَوْ سَرَقَ مَالًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ بِوَضْعِ الْقَبْرِ فِيهِ اخْتَلَّتْ صِفَةُ الْحِرْزِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ تَأْوِيلًا لِلدُّخُولِ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْكَمَالِ فِي شَرَائِطِ الْقَطْعِ مُعْتَبَرٌ، وَكَذَلِكَ يَخْتَلِفُونَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا أَخَذَ الْكَفَنَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا آخَرَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْقَافِلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة فِي الْكَفَنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا
(قَالَ) وَلَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ لِانْعِدَامِ فِعْلِ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ، وَلَا يُسَارِقُ عَيْنَ صَاحِبِهِ
وَأَمَّا الطِّرَارُ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ مَصْرُورَةً فِي دَاخِلِ الْكُمِّ أَوْ فِي ظَاهِرِ الْكُمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute