مُمَلَّكًا لِلثَّوْبِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلْقَطْعِ، كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ، وَإِنْ اخْتَارَ اسْتِرْدَادَ الثَّوْبِ فَلَمْ يُحْدِثْ السَّارِقُ فِيهِ مِلْكًا وَلَا سَبَبَ مِلْكٍ فَيَبْقَى الْقَطْعُ عَلَيْهِ
(قَالَ) وَإِذَا سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا فِي الدَّارِ وَأَخْرَجَهَا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَحْمًا وَاللَّحْمُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَإِتْمَامُ فِعْلِ السَّرِقَةِ فِيمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلِثُبُوتِ حَقِّ التَّضْمِينِ لِلْمَالِكِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الشَّاةِ وَيُمَلِّكَهُ ذَلِكَ اللَّحْمَ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَطْعِ عَنْهُ
(قَالَ) وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ وَرَدَّ الْمَتَاعَ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ سَرَقَهُ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا كَامِلَ الْمِقْدَارِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَبِهَذِهِ الْأَوْصَافِ قَدْ لَزِمَهُ الْقَطْعُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَكَذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَتَاعِ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهَذِهِ الْعَيْنُ فِي حَقِّ السَّارِقِ كَعَيْنٍ أُخْرَى فِي حُكْمِ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ غَصَبَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ كَانَ ضَامِنًا، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقَطْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ مِنْ إنْسَانٍ فَسَرَقَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ سَرَقَهُ مِنْهُ ثَانِيًا يُقْطَعُ؟ فَكَذَلِكَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ غَزْلًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ نَسَجَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ سَرَقَهُ ثَانِيًا يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ إذَا طَحَنَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَقَرَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ثُمَّ سَرَقَ وَلَدَهَا يُقْطَعُ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ جُزْءٍ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ بِسَرِقَتِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَخَرِبَ ثُمَّ أُعِيدَ ذَلِكَ الْحِرْزُ فَسَرَقَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى قُطِعَ، فَكَذَلِكَ الْمَالُ، وَلِأَنَّ هَذَا حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الزِّنَا، فَإِنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بِهَا مَرَّةً أُخْرَى لَزِمَهُ الْحَدُّ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ حَقُّ الْمَقْذُوفِ عِنْدِي وَخُصُومَتُهُ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى.
(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ نَوْعَانِ مِنْ الْكَلَامِ: أَحَدُهُمَا، مَا بَيَّنَّا أَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لَمْ يَبْقَ فِي هَذَا الْعَيْنِ حَقًّا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ، فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ ظَهَرَتْ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ فِي حَقِّهِ بِالِاسْتِرْدَادِ يَبْقَى مَا سَبَقَ مُورِثًا شُبْهَةً وَالْقَطْعُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا أَحْرَزَهُ إنْسَانٌ صَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ السَّارِقُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَهَذَا مِثْلُهُ، فَأَمَّا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَقَدْ قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute