للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَئِنْ سَلَّمْنَا، فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ السَّبَبِ وَالْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ فَجُعِلَ مُتَجَدِّدًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ هَذَا؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ، أَلَا تَرَى «أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُهْدِيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَالْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَدَلَّ أَنْ تَبَدُّلَ سَبَبِ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ، فَأَمَّا الْغَزْلُ إذَا نَسَجَهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ عَيْنِ آخَرَ، فَلِهَذَا لَوْ فَعَلَهُ الْغَاصِبُ كَانَ الثَّوْبُ مَمْلُوكًا لَهُ، فَإِنَّمَا سَرَقَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَيْنًا أُخْرَى، وَعَلَى هَذَا الْحِرْزِ فَإِنَّهُ إذَا أُعِيدَ الْحِرْزُ كَانَ هَذَا حِرْزًا مُتَجَدِّدًا غَيْرَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ لَيْسَ بِعِبَارَةٍ عَنْ عَيْنِ الْجِدَارِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحَفُّظِ وَالتَّحَصُّنِ.

وَكَذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى مَثَلًا شَيْءٌ وَالْمُسْتَوْفَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلِهَذَا لَزِمَهُ الْحَدُّ مَعَ أَنَّ هُنَاكَ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَسْقُطُ فِي حَقِّهِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِ، وَلِأَنَّ هَذَا حَدٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخُصُومَةِ مِنْ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ فِي خُصُومَتِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ نَوْعَ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بِخُصُومَتِهِ مَرَّةً مَا هُوَ جَزَاءُ سَرِقَةِ هَذَا الْعَيْنِ فَيُمْكِنُ شُبْهَةً فِي خُصُومَتِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْقَطْعِ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا، فَإِنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْخُصُومَةُ فِيهِ

(قَالَ) وَالسَّارِقُ تُقْطَعُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى يَدُهُ الْيُمْنَى فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ يُحْبَسُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ يُقْتَلُ، وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَاسْمُ الْيَدِ يَتَنَاوَلُ الْيُسْرَى، كَمَا يَتَنَاوَلُ الْيُمْنَى بِدَلِيلِ آيَةِ الطَّهَارَةِ، وَلَا مَعْنَى لِاسْتِدْلَالِكُمْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْطَعَ رِجْلُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ عِنْدَكُمْ إذَا سَرَقَ وَهُوَ مَقْطُوعُ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ مِنْ الْيَدِ الْيُسْرَى لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَبِالْقِرَاءَتَيْنِ وَبِالْإِجْمَاعِ صَارَ قَطْعُ الْيُمْنَى مُسْتَحَقًّا مِنْ السَّارِقِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِالرَّأْيِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>