للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ إلَى أَنْ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ مُفَسِّرًا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ذَكَرَ «الْيَدَ الْيُمْنَى، وَفِي الثَّانِيَةِ الرِّجْلَ الْيُسْرَى، وَفِي الثَّالِثَةِ الْيَدَ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ الرِّجْلَ الْيُمْنَى» وَرَوَى الْمُعَلَّى «أَنَّهُ قَطَعَ مِنْ السَّارِقِ هَكَذَا»، وَقَدْ بَيَّنَّا حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَدَ الْيُسْرَى يَدٌ بَاطِشَةٌ فَتُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ كَالْيُمْنَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سَرِقَتَهُ بِالْبَطْشِ وَالْمَشْيِ يَتَأَتَّى فَقُطِعَتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ لِلزَّجْرِ لِتَفْوِيتِ مَا بِهِ تَتَأَتَّى السَّرِقَةُ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَرُبَّمَا يَقُولُونَ الْمُتَنَاوِلُ لِلسَّرِقَةِ مُتَنَاوِلٌ فِيهَا كَالْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى، وَكُلُّ عُقُوبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى تَتَعَلَّقُ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَالْقِصَاصِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أَخْطَأَ الْحَدَّادُ فَقَطَعَ الْيُسْرَى مَكَانَ الْيُمْنَى لَمْ يَضْمَنْ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لِلْحَدِّ حَتَّى لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ وَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْيُسْرَى مَحَلٌّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ الْمَشْرُوعِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِي شَرْعِ هَذَا التَّرْتِيبِ أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ زَاجِرًا لَهُ بِالتَّنْقِيصِ لَهُ مِنْ بَطْشِهِ وَمَشْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِانْزِجَارُ بِهِ فَالزَّجْرُ بِالتَّفْوِيتِ يَتَحَقَّقُ بِهِ الِانْزِجَارُ.

(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاقْطَعُوا إيمَانَهُمَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنَّ مِنْ قِرَاءَتِنَا وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَيَّدِ مِنْ الْمُطْلَقِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا مِنْ الْأَيْدِي فَلَا يَتَنَاوَلُ الرِّجْلَ أَصْلًا وَلَا يَتَنَاوَلُ الْيُسْرَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَمَعَ بَقَاءِ الْمَنْصُوصِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ النَّصُّ مُتَنَاوِلًا لِلْيَدِ الْيُسْرَى لَمْ يَجُزْ قَطْعُ الرِّجْلِ مَعَ بَقَاءِ الْيَدِ وَالْأَيْدِي، وَإِنْ ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يُوجَدُ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ تُذْكَرُ تَثْنِيَتُهُ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] يُقَالُ: مُلِئَتْ بُطُونُهُمَا، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ إلَى الْجَمَاعَةِ يَتَنَاوَلُ الْفَرْدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ يُقَالُ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ فَاقْطَعُوا يَدًا مِنْ كُلِّ سَارِقٍ وَسَارِقَةٍ.

وَكَانَ يَنْبَغِي بِاعْتِبَارِ هَذَا الظَّاهِرِ أَنْ لَا يُقْطَعَ الرِّجْلَ الْيُسْرَى مِنْهُمَا، وَلَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ، فَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَقَدْ كَانَ فِي الْحُدُودِ تَغْلِيظًا فِي الِابْتِدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَطَعَ الْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ مِنْ الْعُرَنِيِّينَ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِاسْتِقْرَارِ الْحُدُودِ؟ وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُرْتَدًّا عَلَى مَا قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِهِ «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>