للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ يُقِرَّ بِهِ وَهُمَا احْتَجَّا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبِ الْخَمْرِ قَالَ مَزْمِزُوهُ وَتَرْتِرُوهُ وَاسْتَنْكِهُوهُ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رَائِحَةَ الْخَمْرِ فَحُدُّوهُ، فَقَدْ شَرَطَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ ضَعِيفٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ فَلَا يُقَامُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْأَثَرُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ كَانَ الْخَمْرُ فِي بَطْنِهِ وَلِوُجُودِ الْخَمْرِ فِي بَطْنِهِ عَلَامَةٌ، وَهُوَ وُجُودُ الرَّائِحَةِ مِنْهُ فَلَا يَقْضِي إلَّا بِظُهُورِ تِلْكَ الْعَلَامَةِ كَالْمَرْأَةِ إذَا ادَّعَتْ الْوِلَادَةَ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْقَابِلَةُ بِذَلِكَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ زَوَالُ رَائِحَةِ الْخَمْرِ بَعْدَ الشُّرْبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمُضِيِّ زَمَانٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي حَقِّ التَّقَادُمِ فَفِيمَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ التَّقَادُمِ لِمَعْنًى فِي الْفِعْلِ كَانَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْمَصِيرِ إلَى غَيْرِهِ.

وَوُجُودُ رَائِحَةِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ نَادِرٌ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَدَامًا أَيْضًا فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ، فَأَمَّا إذَا كَانُوا بِالْبُعْدِ مِنْهُ فَجَاءُوا بِهِ بَعْدَ زَوَالِ الرَّائِحَةِ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ تَفْرِيطٌ وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يُجْعَلُ عَفْوًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الشَّارِبَ تَكَلَّفَ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَهَذَا مِثْلُهُ

(قَالَ) وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ، وَقَدْ قَطَعَ الثَّوْبَ قَمِيصًا، وَلَمْ يَخِطْهُ أَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أَوْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بِعَيْبِهِ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ نُقْصَانٌ، وَكَذَلِكَ السَّوَادُ فِي الثَّوْبِ نَقْصٌ وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ مِنْ السَّارِقِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَكَمَا يَكُونُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ السَّارِقِ، فَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَإِنْ كَانَ خَاطَ الثَّوْبَ فَلَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهِ لِمَا اتَّصَلَ بِالثَّوْبِ مِنْ وَصْفٍ مُتَقَوِّمٍ هُوَ حَقُّ السَّارِقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَخَاطَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ أَخْذِ الثَّوْبِ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَهَذَا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَكُونُ الْغَاصِبُ ضَامِنًا لِلثَّوْبِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَهَا هُنَا لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا يَضْمَنُ، فَكَذَلِكَ إذَا احْتَبَسَ عِنْدَهُ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الْوَصْفِ حَقًّا لَهُ، فَأَمَّا إذَا صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ.

فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ، وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ الثَّوْبَ وَيُعْطِي السَّارِقَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الثَّوْبِ قَائِمٌ بَعْدَ الصَّبْغِ، وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالنَّصِّ ثُمَّ الصَّبْغُ لَوْ حَصَلَ مِنْ الْغَاصِبِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ، فَكَذَلِكَ مِنْ السَّارِقِ إلَّا أَنَّ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّبْغِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مِنْ الصَّبَّاغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>