للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ وَصْفٌ وَالثَّوْبُ أَصْلٌ وَالْوَصْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، كَمَا فِي الْغَاصِبِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّوْبَ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ لَهُ يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ، وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ الْمَغْصُوبُ حَقِيقَةً كَانَ ضَامِنًا لَهُ، وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ الْمَسْرُوقُ حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْجَانِبِ، فَأَمَّا عِنْدَ اخْتِيَارِ الْأَخْذِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ وَأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِ بِأَدَاءِ قِيمَةِ الصَّبْغِ إلَيْهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي قَطْعِ حَقِّ صَاحِبِ الثَّوْبِ عَنْ الثَّوْبِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي اتَّصَلَ بِالثَّوْبِ مُتَقَوِّمٌ حَقًّا لِلسَّارِقِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَالْخِيَاطَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ ضَعِيفٌ لَهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْعَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى بَدَلِ الْعَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ؟ وَمِثْلُ هَذَا الْحَقِّ يَبْطُلُ بِالصَّبْغِ كَحَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ وَتَرْجِيحُ الْأَصْلِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْحَقَّيْنِ فِي الْقُوَّةِ، فَأَمَّا الضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَوِيٌّ يَسْرِي إلَى بَدَلِ الْعَيْنِ فَيَسْتَقِيمُ التَّرْجِيحُ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالتَّبَعِ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي بِحَرْفٍ آخَرَ فَقَالَ: لَوْ بَقِيَ الثَّوْبُ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بَعْدَ الصَّبْغِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الْعَيْنِ بِمِلْكِهِ فِي الصَّبْغِ، وَاقْتِرَانُ الشَّرِكَةِ بِالسَّرِقَةِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ فَاعْتِرَاضُهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ وَبِالْإِجْمَاعِ يُسْتَوْفَى الْقَطْعُ مِنْ السَّارِقِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي الثَّوْبِ.

(فَإِنْ قِيلَ) هَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ السَّارِقَ مُتَمَلِّكًا لِلثَّوْبِ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقَطْعِ مِنْهُ أَيْضًا.

(قُلْنَا) نَعَمْ، وَلَكِنْ يُجْعَلُ الثَّوْبُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ، فَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا قَدْ صَارَ مُسْتَهْلَكًا لَا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الْحَالِ، كَمَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ، فَأَمَّا مَعَ بَقَاءِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْتَهْلَكًا فَيَتَقَرَّرُ مَعْنَى الشَّرِكَةِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ نَقُولُ لَوْ صَبَغَهُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الِاسْتِرْدَادُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلشَّرِكَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ مَعْنَى الشَّرِكَةِ أَنَّ فِي الْمَغْصُوبِ لَوْ اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَيْعَ الثَّوْبِ اسْتَقَامَ ذَلِكَ وَضَرَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ فِي الثَّمَنِ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ وَالْآخَرُ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَبِيعِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ زِيَادَةٌ فِي السَّوِيقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُبَدِّلًا لِلْعَيْنِ حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ بِهِ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>