للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَرَاهِمَ فَسَبَكَهَا أَوْ صَاغَهَا قُلْنَا كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ بِانْفِرَادِهَا لَا تَتَقَوَّمُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بِاعْتِبَارِهَا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْغَصْبِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ، فَكَذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُفَرِّقُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَقُولُ هُنَاكَ لَوْ اعْتَبَرْنَا حَقَّ الْغَاصِبِ فِي الصَّنْعَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَصْلًا، وَلَكِنَّهُ يُضَمِّنُهُ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ وَهَا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ بَطَلَ بِهِ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَضْمِينِ السَّارِقِ وَالْعَيْنُ مُتَقَوِّمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالصَّنْعَةُ تَتَقَوَّمُ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَقَوَّمُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ إبْقَاءُ حَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ أَوْلَى.

فَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ صُفْرًا فَجَعَلَهَا قُمْقُمَةً أَوْ حَدِيدًا فَجَعَلَهُ دِرْعًا لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّ لِلصَّنْعَةِ قِيمَةً فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ، وَلِهَذَا يَخْرُجُ بِالصَّنْعَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالَ الرَّبَّا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا حَقًّا لِلسَّارِقِ ثُمَّ هَذِهِ الصَّنْعَةُ لَوْ وُجِدَتْ مِنْ الْغَاصِبِ انْقَطَعَ بِهَا حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ مِنْ السَّارِقِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ قَدْ غَيَّرَهُ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ بِالنُّقْصَانِ فَلِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ، كَمَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يُضَمِّنُ الْغَاصِبَ النُّقْصَانَ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ اعْتِبَارًا لِإِتْلَافِ الْجُزْءِ بِإِتْلَافِ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ زِيَادَةً فِيهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ حَصَلَ مِنْ الْغَاصِبِ لَا يَتَمَكَّنُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ أَخْذِ الْعَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ اسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا

(قَالَ) وَإِنْ كَانَتْ السَّرِقَةُ شَاةً فَوَلَدَتْ أَخَذَهُمَا جَمِيعًا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ زِيَادَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ، وَكَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ قَبْلَ انْفِصَالِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَأَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ لَا يَنْقَطِعُ فِي الرُّجُوعِ بِالْوِلَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ السَّمْنِ وَالصَّبْغِ فَالزِّيَادَةُ هُنَاكَ فِي مِلْكِ السَّارِقِ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ وَهَا هُنَا الزِّيَادَةُ فِي مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهَا لِلسَّارِقِ شَرِكَةٌ

(قَالَ) وَإِذَا قَطَعَ فِي صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَصَنَعَ مِنْهُ ثَوْبًا ثُمَّ سَرَقَهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَتَبَدَّلُ بِالصَّنْعَةِ وَالثَّوْبُ فِي حُكْمِ الْحَادِثِ بِالنَّسْجِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ هَذَا مِنْ الْغَاصِبِ كَانَ الثَّوْبُ مَمْلُوكًا لَهُ؟ فَسَرِقَتُهُ لِذَلِكَ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>