قَالَ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا مَثَلٌ إلَّا وَقَفَ وَتَفَكَّرَ»، فَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ، وَرُبَّمَا يَمَلُّ الْقَوْمُ بِمَا يَصْنَعُ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي خُشُوعِهِ، وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ بِالِاسْتِمَاعِ أُمِرُوا وَإِلَى الْإِنْصَاتِ نُدِبُوا وَعَلَى هَذَا وُعِدُوا الرَّحْمَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤].
وَيَتَرَتَّبُ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْرَأُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَّا أَنَّ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ أَوَانَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهَا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُنْصِتُ حَتَّى يَقْرَأَ الْمُقْتَدِي الْفَاتِحَةَ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» وَفِي حَدِيثِ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُنَّ خَلْفِي، فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَ: لَا تَقْرَؤُنَّ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ إلَّا بِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْهَا» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَلَا تَسْقُطُ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ فَوْتَ الرَّكْعَةِ بِسَبَبِ الضَّرُورَةِ قَدْ تَسْقُطُ بَعْضُ الْأَرْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَامَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ رُكْنٌ، وَقَدْ يَسْقُطُ هَذَا لِلضَّرُورَةِ.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤] وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِي وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَالِ الْخُطْبَةِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَفِيهِ بَيَانُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَمَنْعُ الْمُقْتَدِي مِنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مَرْوِيٌّ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ جَمَعَ أَسَامِيَهُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute