للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِعَيْنِهَا بَلْ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالْعَمَلِ بِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَاِتَّخَذَ النَّاسُ تِلَاوَتَهُ عَمَلًا، وَحُصُولُ هَذَا الْمَقْصُودِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَسَمَاعُ الْقَوْمِ، فَإِذَا اشْتَغَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقِرَاءَةِ لَا يَتِمُّ هَذَا الْمَقْصُودُ، وَهَذَا نَظِيرُ الْخُطْبَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَعْظُ وَالتَّدَبُّرُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ وَيَسْتَمِعَ الْقَوْمُ لَا أَنْ يَخْطُبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ، دَلَّ عَلَيْهِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي لَمَا سَقَطَ بِهَذَا الْعُذْرِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يُقَالُ إنَّ رُكْنَ الْقِيَامِ يَسْقُطُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا، وَفَرْضُ الْقِيَامِ يَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ تَصِيرُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا أَنَّ بِخُطْبَةِ الْإِمَامِ تَصِيرُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا بِالْخُطْبَةِ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رُكْنًا فِي الِابْتِدَاء، ثُمَّ مَنَعَهُمْ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ قَالَ مَالِي أُنَازَعُ فِي الْقُرْآنِ. وَالْقِرَاءَةُ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فَإِنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ أَأَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ.؟ فَقَالَ لَهُ: أَمَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَنَعَمْ.

قَالَ: (وَإِذَا مَرَّتْ الْخَادِمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ أَوْمَأَ بِيَدِهِ لِيَصْرِفَهَا لَمْ تُقْطَعْ صَلَاتُهُ) لِمَا رَوَيْنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ عَلَى زَيْنَبَ فَلَمْ تَقِفْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَابَتْ أَحَدَكُمْ نَائِبَةٌ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ» قَالَ فِي الْكِتَابِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ مَعْنَاهُ وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ، فَإِنَّ لَهُ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ فِيهِ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ أُسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَسَبَّحَ وَأَرَادَ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ «عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لِي مَدْخَلَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَيِّهِمَا شِئْتُ دَخَلْتُ، فَكُنْتُ إذَا أَتَيْتُ الْبَابَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ فَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلْتُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فَانْصَرَفْتُ» وَلِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا صِيَانَةً، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ رُبَّمَا يُلِحُّ الْمُسْتَأْذِنُ حَتَّى يُبْتَلَى هُوَ بِالْغَلَطِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُوءُهُ فَاسْتَرْجَعَ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ جَوَابَهُ قَطَعَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ جَوَابَهُ لَمْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِ التَّكَلُّمِ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ كَانَ جَوَابًا، وَمَعْنَى اسْتِرْجَاعِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>