للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِمْ أَوْ يُسْتَوْفَى بِطَلَبِهِمْ، فَأَمَّا مَا يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا عَفْوَ فِيهِ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَلَا لِلْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ الْحَقِّ بَلْ هُوَ نَائِبٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ فِي الْعَفْوِ كَغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَيْنَا «لَا يَنْبَغِي لِوَالِي حَدٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَقَامَهُ» ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَتْلُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ مُتَحَتِّمٌ لَا يَعْمَلُ فِيهِ عَفْوُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْقَتْلِ وَالْقَتْلُ الْمُسْتَحَقُّ يَكُونُ قِصَاصًا إلَّا أَنَّهُ تَأَكَّدَ بِانْضِمَامِ حَقِّ الشَّرْعِ إلَيْهِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِسْقَاطُ كَالْعِدَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْقَتْلِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ كُلِّهِ حَدٌّ وَاحِدٌ ثُمَّ الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ الْقَتْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ جَزَاءً وَالْجَزَاءُ الْمُطْلَقُ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِمُقَابَلَةِ الْفِعْلِ، فَأَمَّا الْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ بِالْمَحَلِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ سَبَبَ هَذَا الْقَتْلِ مَا قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] وَمَا يَجِبُ بِمِثْلِ هَذَا السَّبَبِ يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَمَّاهُ خِزْيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} [المائدة: ٣٣] فَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى

(قَالَ) فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُحَارِبٌ، وَهُوَ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى يَسْتَوِي بِالْحُرِّ، فَكَذَلِكَ فِي الْكُبْرَى، وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ، كَمَا يَسْتَوِيَانِ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَتْلٌ وَقَطْعٌ، وَفِي الْقَطْعِ الْوَاجِبِ جَزَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَالسَّرِقَةِ، وَفِي الْقَتْلِ الْوَاجِبِ جَزَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَالرَّجْمِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ حَدَّ قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ وَانْقِطَاعُ الطَّرِيقِ بِهِمْ وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ بِمُحَارِبَةٍ كَالصَّبِيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعُقُوبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعُقُوبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ، وَلَكِنْ يَدْخُلُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَأَنَّهُ لَا يُسَاوِي الْحُرَّ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ ثُمَّ يُسَاوِيهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحَدِّ، وَفِي الصَّبِيَّانِ وَالْمَجَانِينِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا قَطَعَ قَوْمٌ مِنْ الرِّجَالِ الطَّرِيقَ، وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ فَبَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ الْقَتْلَ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقَامُ عَلَيْهَا، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُدْرَأُ

<<  <  ج: ص:  >  >>