عَنْهُمْ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِمْ وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ فِيهِمْ كَالصَّبِيِّ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَا يُقَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الرِّدْءُ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالرِّجَالُ لَا يَصْلُحُونَ تَبَعًا لِلنِّسَاءِ فِي التَّنَاصُرِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَإِنَّمَا يُقَامُ عَلَيْهِمَا جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا يُقَامُ عَلَى الرِّجَالِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا الْفِعْلُ مِنْهَا بِقُوَّتِهِمْ، فَإِنَّ بِنْيَتَهَا لَا تَصْلُحُ لِلْمُحَارِبَةِ بِدُونِ الرِّجَالِ فَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا مَعْنًى فِيهَا لَا فِي فِعْلِهَا، وَهُوَ أَنَّ بِنْيَتَهَا لَا تَصْلُحُ لِلْمُحَارِبَةِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّ الْمَانِعَ مَعْنًى فِي فِعْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ فِعْلَهُ لَا يَصِحُّ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْفِعْلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ
(قَالَ) وَالْمُبَاشِرُ وَغَيْرُ الْمُبَاشِرِ فِي حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُقَامُ الْحَدُّ إلَّا عَلَى مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ وَأَخَذَ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ بَاشَرَ الْفِعْلَ كَحَدِّ الزِّنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَقْتُلُوا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَفِي حَقِّ الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَأْخُذُوا.
(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحَارَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ كَاسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ فِي الْغَنِيمَةِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا مُبَاشِرُونَ السَّبَبَ، وَهُوَ الْمُحَارَبَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هَكَذَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اشْتَغَلُوا جَمِيعًا بِالْقِتَالِ خَفِيَ عَلَيْهِمْ طَرِيقُ الْإِصَابَةِ لِكَثْرَةِ الزَّحْمَةِ، وَلَا يَسْتَقِرُّونَ إنْ زَلَّتْ قَدَمُهُمْ فَانْهَزَمُوا، فَإِذَا كَانَ الْبَعْضُ رِدْءًا لَهُمْ الْتَجَئُوا إلَيْهِمْ وَتَنْكَسِرُ شَوْكَةُ الْخُصُومِ بِرُؤْيَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَتَوَلَّى أَخْذَ الْمَالِ الْأَصَاغِرُ مِنْهُمْ وَالْأَكَابِرُ يَتَرَفَّعُونَ عَنْ ذَلِكَ وَانْقِطَاعُ الطَّرِيقِ يَكُونُ بِهِمْ جَمِيعًا فَعَرَفْنَا أَنَّهُمْ مُبَاشِرُونَ لِلسَّبَبِ، فَأَمَّا أَخْذُ الْمَالِ وَالْقَتْلُ شَرْطٌ فِيهِ وَإِذَا صَارَ الشَّرْطُ مَوْجُودًا بِقُوَّتِهِمْ وَبَاشَرُوا السَّبَبَ بِأَجْمَعِهِمْ قُلْنَا: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ
(قَالَ) وَإِنْ أَصَابُوا الْمَالَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَلَمْ يُقَتَّلُوا؛ لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا أَخْذَ الْمَالِ فَيُقَامُ عَلَيْهِمْ جَزَاؤُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَتْلَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِمْ وَالْحُكْمُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ
(قَالَ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا طُلِبُوا إلَى أَنْ يُوجَدُوا أَوْ يَنْقَطِعَ أَذَاهُمْ وَيَأْمَنَ الْمُسَافِرُونَ مِنْهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ، وَذَلِكَ نَفْيُهُمْ مِنْ الْأَرْضِ فِي تَأْوِيلِ بَعْضِهِمْ فَإِنْ قَتَلُوا، وَلَمْ يُصِيبُوا مَالًا قُتِلُوا، وَلَمْ تُقْطَعْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ أَخْذِ الْمَالِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِأَخْذِ الْمَالِ
(قَالَ) فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ ثُمَّ تَابُوا فَرَدُّوا الْمَالَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ أُتِيَ بِهِمْ الْإِمَامَ لَمْ يَقْطَعْهُمْ، وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤]، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَمَامَ تَوْبَتِهِ فِي رَدِّ الْمَالِ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute