للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي التَّهَجُّدِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَبِهِ نَقُولُ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ هَكَذَا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ حَثٌّ لِمَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ خَلْفَهُ أَحَدٌ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كُلُّ مُصَلٍّ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَحُثُّ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ، فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ الْقَوْمِ إيَّاهُ بِالْحَثِّ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالتَّحْمِيدِ. وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَزِيدُ عَلَى هَذَا مَا نُقِلَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ» إلَخْ، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا فِي التَّهَجُّدِ.

قَالَ: (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ فَإِذَا اطْمَأَنَّ قَاعِدًا سَجَدَ أُخْرَى وَكَبَّرَ)، وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْ تَكَلَّمُوا أَنَّ السُّجُودَ لِمَاذَا كَانَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَثْنَى وَالرُّكُوعُ وَاحِدٌ؟ فَمَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا تَعَبُّدِيٌّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ الْمَعْنَى كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ السُّجُودُ مَثْنَى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَقَالَ: «هُمَا تَرْغِيمَتَانِ لِلشَّيْطَانِ»، وَقِيلَ إنَّهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الْأَرْضِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُعَادُ إلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥] الْآيَةَ.

(وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٤]: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: ١] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» قَالَ عُقْبَةُ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا، وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا».

وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ»، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ أَدْنَى الْجَوَازِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَدْنَى الْكَمَالِ، فَإِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ يَجُوزَانِ بِدُونِ هَذَا الذِّكْرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلُّ فِعْلٍ هُوَ رُكْنٌ يَسْتَدْعِي ذِكْرًا فِيهِ يَكُونُ رُكْنًا كَالْقِيَامِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَوْ شُرِعَ فِي الرُّكُوعِ ذِكْرٌ هُوَ رُكْنٌ لَكَانَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الرُّكُوعَ مُشَبَّهٌ بِالْقِيَامِ وَحِينَ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>