للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُمَّ سُلَيْمٍ بِنْتَ مِلْحَانَ قَاتَلَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ شَادَّةً عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَتْ حَامِلًا حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَقَامُهَا خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ» يَعْنِي الَّذِينَ انْهَزَمُوا وَهِيَ الَّتِي قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا نُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ الْفَرَّارِينَ كَمَا قَاتَلْنَا الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَافِيَةُ اللَّهِ أَوْسَعُ لَنَا» وَأُمُّ أَيْمَنَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَبَعْضُ الْعَجَائِزِ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَسَقْيِ الْمَاءِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِخُرُوجِ الْعَجَائِزِ مَعَ الْجَيْشِ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ ثُمَّ يُرْضَخُ لَهُنَّ لِأَنَّهُنَّ أَتْبَاعٌ كَالْعَبِيدِ وَلِأَنَّهُنَّ عَاجِزَاتٌ عَنْ الْقِتَالِ بِنْيَةً وَالْعَبِيدُ يَعْجِزُونَ عَنْ ذَلِكَ بِمَنْعِ الْمَوَالِي فَاسْتَوَيَا فِي الْمَعْنَى فَلِهَذَا يُرْضَخُ لِلْفَرِيقَيْنِ وَكَتَبَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلصَّبِيِّ فِي الْمَغْنَمِ حَتَّى يَحْلُمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ السَّهْمَ الْكَامِلَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ اسْمُهُ فِيمَنْ يُسْهَمُ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَبِهِ نَأْخُذُ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ثُمَّ عُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» وَلَكِنْ يُرْضَخُ لِلصَّبِيِّ إذَا قَاتَلَ فَقَدْ كَانَ فِي الصَّبِيَّانِ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ صَبِيٌّ فَرَدَّهُ فَقِيلَ: إنَّهُ رَامٍ فَأَجَازَهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ صَبِيَّانِ فَرَدَّ أَحَدَهُمَا وَأَجَازَ لِآخَرَ فَقَالَ الْمَرْدُودُ: أَجَزْتَهُ وَرَدَدْتَنِي وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ فَقَالَ: صَارِعْهُ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ فَأَجَازَهُمَا» وَالْمُرَادُ الْإِجَازَةُ فِي الْمُقَاتِلِينَ لِيُرْضَخَ لَهُمَا لَا لِيُسْهَمَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ السَّهْمُ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا حَقَّ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ وَالْمُرَادُ: السَّهْمُ الْكَامِلُ، فَأَمَّا الرَّضْخُ ثَابِتٌ لَهُ إذَا قَاتَلَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ الْمُرَادُ الْآبِقُ الْخَارِجُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَهَذَا لَا حَقَّ لَهُ بَلْ يُؤَدَّبُ عَلَى فِعْلِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَسَّمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ» وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَخَّرَ الْقِسْمَةَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَدَلَّ أَنَّهَا لَا تُقَسَّمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَسَّمَهَا بِالسَّيْرِ شِعْبٌ مِنْ شِعَابِ الصَّفْرَاءِ وَالصَّفْرَاءُ مِنْ بَدْرٍ لَا يَكَادُ يَصِحُّ بَلْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَسَّمَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى «طَلَبَ مِنْهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَضْرِبَ لَهُ فِيهَا بِسَهْمٍ فَفَعَلَ قَالَ: وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَأَجْرُك» وَكَانَ خَلَّفَهُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ يُمَرِّضُهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ قَدِمَ عَلَيْنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بَشِيرًا بِفَتْحِ بَدْرٍ حِينَ سَوَّيْنَا عَلَى رُقَيَّةَ يَعْنِي التُّرَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>