الْحَاجَةِ فَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ ضَمَانٍ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُشْتَرَطُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ لِأَنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَالِ الْغَيْرِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْلَى.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ فَمَاتَ فَأَعْطَى الْمُسْلِمُونَ بِجِيفَتِهِ مَالًا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ» وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ الْمَيِّتَةِ مِنْ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَالٍ فَإِنَّ مُطْلَقَ النَّهْيِ دَلِيلُ فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَمَوْضِعُ الْخَنْدَقِ كَانَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلِهَذَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ مَعَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ فَأَمَّا مَعَ الْحَرْبِيِّ الَّذِي لَا أَمَانَ لَهُ يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ مَالَهُ مُبَاحٌ فَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ نَقُولَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِمَا عَرَفَ فِيهِ مِنْ الْكَبْتِ وَالْغَيْظِ لِلْمُشْرِكَيْنِ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ أَوْ لِئَلَّا يُظَنَّ بِالْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يُجَاهِدُونَ لِطَلَبِ الْمَالِ بَلْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ الدِّينِ.
وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَزِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنِّي قَدْ أَمْدَدْتُك بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَمَنْ أَتَاك مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ تَتَفَقَّى الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُ فِي الْغَنِيمَةِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمُدَّهُمْ بِقَوْمٍ أُخَرَ لِيَزْدَادُوا بِهِمْ قُوَّةً وَأَنَّ الْمَدَدَ إذَا لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْد إصَابَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَإِنَّهُمْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي الْمُصَابِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ مُرَادَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. إذَا كَانَتْ الْوَقْعَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَمَنْ حَصَّلَ مِنْ الْمَدَدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ شَاهِدًا لِلْوَقْعَةِ مَعْنًى وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ تَتَفَقَّى الْقَتْلَى. قِيلَ: مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تَتَشَقَّقَ الْقَتْلَى بِطُولِ الزَّمَانِ فَجَعَلَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ الِانْصِرَافِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُمَيِّزَ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ وَالتَّفَقُّؤُ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَقِيهُ لِأَنَّهُ يُمَيِّزُ الصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَفَقَّأَ فَوْقَهُ الْقَلَعُ السَّوَارِي ... وَجُنَّ الْخَازِبَازِ بِهِ جُنُونًا
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي تَتَقَفَّى الْقَتْلَى الْقَافُ قَبْلَ الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ تَجْعَلُوا الْقَتْلَى عَلَى قَفَاكُمْ بِالِانْصِرَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute