إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ أَبِي قُسَيْطٍ قَالَ: بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ فِي خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ مَدَدًا لِزِيَادِ بْنِ لِبِيدٍ الْبَيَاضِيِّ وَالْمُهَاجِرِ بْنِ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ إلَى الْيَمَنِ فَأَتَوْهُمْ حَتَّى افْتَتَحُوا النُّجَيْرَ فَأَشْرَكَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ، وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ مَنْ يَجْعَلُ لِلْمَدَدِ شِرْكَةً وَإِنْ لَحِقُوا بِالْجَيْشِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ بِالْفَتْحِ قَدْ صَارَتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ دَارَ إسْلَامٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ: تَأْوِيلُهُ أَنَّهُمْ فَتَحُوا وَلَمْ تَجْرِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِيهَا بَعْدُ وَبِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ قَبْلَ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ لَا تَصِيرُ دَارَ إسْلَامٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَيْضًا مَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْتَحَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا فَتَحَ خَيْبَرَ» وَكَذَلِكَ جَعْفَرٌ مَعَ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدِمُوا مِنْ الْحَبَشَةِ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أَدْرِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ أَنَا أَشَدُّ فَرَحًا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَوْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ» وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَدْرَكُوا بَعْدَ تَصَيُّرِ الْبُقْعَةِ دَارَ إسْلَامٍ فَلِهَذَا لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ، مَعَ أَنَّ غَنَائِمَ خَيْبَرَ كَانَتْ عِدَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: ٢٠] وَهُمَا مَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فَلِهَذَا لَمْ يُسْهَمْ لَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لِلْمَدَدِ شِرْكَةً إذَا لَحِقُوا بِالْجَيْشِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَا رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ غَزَوْا نَهَاوَنْدَ فَأَمَدَّهُمْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِأَلْفَيْ فَارِسٍ وَعَلَيْهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَدْرَكُوهُمْ بَعْدَ إصَابَةِ الْغَنِيمَةِ فَطَلَبَ عَمَّارٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الشِّرْكَةَ وَكَانَ عَلَى الْجَيْشِ رَجُلٌ مِنْ عُطَارِدَ فَقَالَ: يَا أَجْدَعُ أَتُرِيدُ أَنْ تُشْرِكَنَا فِي غَنَائِمِنَا فَقَالَ عَمَّارٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: خَيْرَ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ وَكَانَ قَدْ قُطِعَتْ إحْدَى أُذُنَيْهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غُزَاةٍ ثُمَّ رَفَعَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَعَلَ لَهُمْ الشِّرْكَةَ فِي الْغَنِيمَةِ فَبِهَذِهِ الْآثَارِ يَأْخُذُ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَانَ بِيَهُودِ قَيْنُقَاعَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يُعْطِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا» وَفِي هَذَا دَلِيلُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْقِتَالِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالُوا: فِعْلُ الْمُشْرِكِينَ لَا يَكُونُ جِهَادًا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْلَطَ بِالْجِهَادِ مَا لَيْسَ بِجِهَادِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: لَا يَغْزُ مَعَنَا إلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا فَأَسْلَمَا»، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ: زِيَادَةُ كَبْتٍ وَغَيْظٍ لَهُمْ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ كَالِاسْتِعَانَةِ بِالْكِلَابِ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِعِلْمِهِ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ يُسْلِمَانِ إذَا أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ «فَأَسْلَمَا» وَقِيلَ: كَانَ يَخَافُ الْغَدْرَ مِنْهُمَا لِضَعْفٍ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute