تَعَالَى {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣]، وَإِذَا خَافَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمْ، وَأَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَإِذَا كَتِيبَةٌ حَسْنَاءُ، أَوْ قَالَ: خَشْنَاءُ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: يَهُودُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: لَا نَسْتَعِينُ بِالْكُفَّارِ»، أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَعَزِّزِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَا يُقَاتِلُونَ تَحْتَ رَايَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعِنْدَنَا إنَّمَا يَسْتَعِينُ بِهِمْ إذَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ تَحْتَ رَايَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا إذَا انْفَرَدُوا بِرَايَةِ أَنْفُسِهِمْ فَلَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ»، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ» يَعْنِي: إذَا كَانَ الْمُسْلِمُ تَحْتَ رَايَةِ الْمُشْرِكِينَ.
وَعَنْ الْحَكَمِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَتَبَ إلَيْهِ فِي أَسِيرَيْنِ مِنْ الرُّومِ أَنْ لَا تَفَادَوْهُمَا وَإِنْ أُعْطِيتُمْ بِهِمَا مُدَّيْنِ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَكِنْ اُقْتُلُوهُمَا أَوْ يُسْلِمَا، فَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفَادَاةُ الْأَسِيرِ بِالْمَالِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادَى الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ الْفِدَاءُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ»، إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِنُزُولِ قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: ٦٧] إلَى قَوْلِهِ {لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨].
وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُشِيرُ بِالْقَتْلِ، فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِحَاجَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى الْمَالِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «لَوْ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَذَابٌ مَا نُجِّيَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عُمَرَ» فَلِهَذَا بَالَغَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُفَادَاةِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أُعْطِيتُمْ بِهِمَا مُدَّيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَسِيرَ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَمِمَّنْ قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَسَارَى بَدْرٍ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَدِّمْهُ وَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَأَوْفِ بِنَذْرِ نَبِيِّك» «وَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي عَزَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَاعِرًا فَوَقَعَ أَسِيرًا يَوْمَ أُحُدٍ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ طَلَبَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُحَدِّثْ الْعَرَبَ أَنِّي خَدَعْتُ مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ» ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا يُقْتَلُ الْأَسِيرُ وَلَكِنْ يُفَادَى أَوْ يُمَنُّ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا فَإِنَّ حُكْمَ الْمَنِّ وَالْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ قَدْ اُنْتُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥]؛ لِأَنَّ سُورَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute