بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَنِّ وَالْمُفَادَاةِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْمَنِّ وَالْمُفَادَاةِ قَدْ انْتَسَخَ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إلَّا إذَا عَرَفَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مَنْفَعَةً عَامَّةً كَمَا رُوِيَ «أَنْ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ سَيِّدَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَسَرَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِي اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا وَرَاءَك يَا ثُمَامَةُ فَقَالَ: إنْ عَاقَبْت عَاقَبْت ذَا ذَنْبٍ وَإِنْ مَنَنْت مَنَنْت عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ أَرَدْت الْمَالَ فَعِنْدِي مِنْ الْمَالِ مَا شِئْت فَمَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى قَحَطُوا».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمْ يُخَمَّسْ طَعَامُ خَيْبَرَ وَكَانَ قَلِيلًا فَكَانَ أَحَدُنَا إذَا احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ. وَفِي هَذَا دَلِيلُ أَنَّهُ يُبَاحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُخَمِّسُ الْغَنِيمَةَ إلَّا الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ» وَكَتَبَ صَاحِبُ جَيْشِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالشَّامِ إلَيْهِ: إنَّا افْتَتَحْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ فَكَرِهْت أَنْ أُمْضِيَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا بِأَمْرِك فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ لِيُصِيبُوا مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعُوا فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ فِيهِ خُمُسُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَبِهَذِهِ الْآثَارِ نَأْخُذُ التَّسَاهُلَ فِي أَمْرِ الطَّعَامِ بِالنَّاسِ وَلِلْعِلْمِ بِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَجْزِهِمْ عَنْ الْحَمْلِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِلذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ إذَا أَمْعَنُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: دُلِّيَ عَلَيَّ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ مِنْ بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ فَاحْتَضَنْتُهُ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَا أُعْطِي أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيَّ وَيَتَبَسَّمُ» وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِحَاجَتِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ»، وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ النُّصْرَةُ يَعْنِي النُّصْرَةَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: ٤٧] وَفِي قَوْلِهِ «تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» دَلِيلٌ لَنَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ وَلَا مَعْنَى لِاسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ التَّسَاوِي فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute