للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِي إلَّا عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا فَقَدْ جَعَلْت نَصِيبِي مِنْهَا لَك إنْ جَازَ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَانِمِينَ وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَعَ أَنَّ الْكُبَّةَ مِنْ الشَّعْرِ لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْجُنْدِ لِكَثْرَتِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا مُنْتَفَعًا بِهِ إذَا قُسِّمَتْ وَعِنْدَنَا هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «كُلُّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَكُلُّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ دَمٍ يُوضَعُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ» وَإِنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ مَا أَسْلَمَ يَوْمَ بَدْرٍ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يُرْبِي بِمَكَّةَ قَبْلَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ كَانَتْ مَكَّةُ يَوْمئِذٍ دَارَ حَرْبٍ، ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَا خُصُومَةَ فِيهِ بَعْدَ الْفَتْحِ وَقِيلَ: مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] وَإِنَّمَا بَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرِبَا الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِيُبَيِّنَ أَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ عَلَى نَهْجِ الْمُلُوكِ فَالْمُلُوكُ فِي الْأَوَامِرِ يَبْدَءُونَ بِالْأَجَانِبِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَمِّهِ لَيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ سَوَاءٌ.

وَذَكَرَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَفِّلُ فِي الْبُدَاءَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ:» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّنْفِيلِ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: ٦٥] وَبِظَاهِرِهِ يَسْتَدِلُّ الْأَوْزَاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جَوَازِ التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّ التَّنْفِيلَ فِي الرَّجْعَةِ يَكُونُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُنَفِّلُ السَّرِيَّةَ الْأُولَى الرُّبُعَ وَالسَّرِيَّةَ الثَّانِيَة الثُّلُثَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَا بَعْدَهَا وَهَذَا لِأَنَّ التَّنْفِيلَ لِلتَّحْرِيضِ وَالْجَيْشُ فِي أَوَّلِ دُخُولِهِمْ يَنْشَطُونَ فِي الْقِتَالِ مَا لَا يَنْشَطُونَ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ وَلِهَذَا قَلَّلَ نَفْلَ السَّرِيَّةِ الْأُولَى وَزَادَ فِي نَفْلِ السَّرِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ السَّرِيَّةَ الثَّانِيَةَ يَحْتَاجُونَ إلَى أَنْ يُمْعِنُوا فِي الطَّلَبِ فَلِهَذَا زَادَ فِي النَّفْلِ لَهُمْ.

وَذَكَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَعْقِرْ الْخَيْلَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْعَقْرَ فِيمَا يَقُومُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّوَابِّ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَانَتْ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لِحَدِيثِ جَعْفَرَ الطَّيَّارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَمَّا اُسْتُقْتِلَ يَوْمَ مَوْتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهُمْ عَقَرَ فَرَسَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>