وَتَقَدَّمَ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ حَتَّى قُتِلَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي الْعَقْرِ مُثْلَةٌ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ» وَلَعَلَّ فِعْلَ جَعْفَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ فَانْتَسَخَ بِهِ.
وَعَنْ الضَّحَّاكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: لَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا النِّسَاءَ وَلَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ» وَقَدْ بَيَّنَّا حُرْمَةَ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي أُمِنَ مِنْ قِتَالِهِ بِنَفْسِهِ وَرَأْيِهِ وَلَا يُرْجَى لَهُ نَسْلٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ يُقْتَلُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانَ ابْنَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةٍ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَلَكِنَّهُمْ أَحْضَرُوهُ لِيَسْتَعِينُوا بِرَأْيِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِأَنْ يَرْفَعُوا الثِّقَلَ إلَى عُلْيَا بِلَادِهِمْ وَيَلْقَوْا الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ بِسُيُوفِهِمْ فَخَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ يَقُولُ
أَمَرْتُهُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إلَّا ضُحَى الْغَدِ
وَإِنَّمَا قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَأْيِهِ فِي الْحَرْبِ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تَدْخُلَ الْمَصَاحِفُ أَرْضَ الْعَدُوِّ» وَالْمَشْهُورُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِي الْعَدُوِّ وَيَسْتَخِفُّوا بِهِ فَعَلَى هَذَا النَّهْيِ فِي سَرِيَّةٍ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ قَوِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا كَانُوا جُنْدًا عَظِيمًا كَالصَّائِفَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَبَرَّكَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِحَمْلِ الْمُصْحَفِ مَعَ نَفْسِهِ لِيَقْرَأَ فِيهِ لِأَنَّهُمْ يَأْمَنُونَ مِنْ ذَلِكَ لِقُوَّتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ.
(فَإِنْ قِيلَ): أَهْلُ الشِّرْكِ وَإِنْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقِرُّونَ أَنَّهُ كَلَامٌ حَكِيمٌ فَصِيحٌ فَكَيْفَ يَسْتَخِفُّونَ بِهِ، (قُلْنَا) إنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْقَرَامِطَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَظْهَرُوا فِيهِ اعْتِقَادَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رِزَامٍ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَصَاحِفِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُشْكَلِ الْآثَارِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ كَثُرَتْ الْمَصَاحِفُ وَكَثُرَ الْحَافِظُونَ لِلْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ فَلَا بَأْسَ بِحَمْلِ الْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ فَوْتُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ وَقَعَ بَعْضُ الْمَصَاحِفِ فِي أَيْدِيهِمْ.
وَذُكِرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: أَنَا كَتَبْت كِتَابَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى نَجْدَةَ كَتَبْت إلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ وَإِنَّ عَالِمَ مُوسَى قَتَلَ وَلَيَدًا وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الْوِلْدَانِ» فَلَوْ كُنْت تَعْلَمُ فِي الْوِلْدَانِ مَا كَانَ يَعْلَمُ عَالِمُ مُوسَى كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نَجْدَةَ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute