للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: ٩٢] أَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ لَكُمْ أَمْوَالُكُمْ» وَصَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» فَذَلِكَ دَلِيلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَهَا مُقَاتِلًا «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ: إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَإِنَّمَا مُرَادُهُ حَلَّ الْقِتَالَ فِيهَا فَدَلَّ أَنَّهُ دَخَلَهَا مُقَاتِلًا وَفِي قَوْله تَعَالَى {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١] يَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا وَنُزُولُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} [الفتح: ٢٤] فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ.

أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] وَإِنَّمَا لَمْ يَضَعْ الْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ تَابِعَةٌ لِلرِّقَابِ وَلَمْ يَضَعْ الْجِزْيَةَ عَلَى رِقَابِهِمْ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا رِقَّ فَكَذَلِكَ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهَا فُتِحَتْ قَهْرًا اتَّضَحَ مَذْهَبُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قُلْنَا وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: قَدْ تَأَكَّدَ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِي الْأَرَاضِيِ أَمَّا عِنْدِي فَقَدْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُمْ بِنَفْسِ الْإِصَابَةِ وَعِنْدَكُمْ تَأَكَّدَ الْحَقُّ بِالْإِحْرَازِ فَقَدْ صَارَتْ مُحَرَّزَةً بِفَتْحِ الْبَلْدَةِ وَإِجْرَاءُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا وَفِي الْمَنِّ إبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ عَمَّا تَأَكَّدَ حَقُّهُمْ فِيهِ وَالْإِمَامُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمْوَالِ بِدُونِ الْأَرَاضِيِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ الْغَانِمِينَ عَنْهَا بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الرِّقَابِ فَالْحَقُّ فِي رِقَابِهِمْ لَمْ يَتَأَكَّدْ. بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ فَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَى رِقَابِهِمْ بِجِزْيَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ ثُمَّ حَقُّ مَصَارِفِ الْخُمُسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَفِي الْمَنِّ إبْطَالُ ذَلِكَ وَلِهَذَا قُلْت أَمَّا تَخْمِيسُ الْجِزْيَةِ لِأَنَّ الْخُمُسَ مِنْ الرِّقَابِ كَانَ حَقًّا لِأَرْبَابِ الْخُمُسِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُمْ فِي بَدَلِ ذَلِكَ وَهُوَ الْجِزْيَةُ وَعُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ: تَصَرُّفُ الْإِمَامِ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَأَنَّهُ نُصِّبَ لِذَلِكَ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَقَعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ فَيَكُرُّ عَلَيْهِمْ الْعَدُوُّ وَرُبَّمَا لَا يَهْتَدُونَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ أَيْضًا فَإِذَا تَرَكَهَا فِي أَيْدِيهِمْ وَهُمْ أَعْرَفُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَأَدَّوْا الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ فَيُصْرَفُ ذَلِكَ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَيَكُونُونَ مَشْغُولِينَ بِالْجِهَادِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا إبْطَالُ حَقِّهِمْ بَلْ فِيهِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُمْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْجَلَ فَمَنْفَعَةُ الْخَرَاجِ أَدْوَمُ وَلِأَنَّهُ كَمَا ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهَا لِلَّذِينَ أَصَابُوا ثَبَتَ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] وَفِي الْقِسْمَةِ إبْطَالُ حَقِّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ أَصْلًا وَفِي الْمَنِّ عَلَيْهِمْ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا «قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ لِحَاجَةٍ لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>