بِالْقِتَالِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ وَحْدَهُ وَالْفَرَسُ لَا تُقَاتِلُ وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُسَوِّيَ بَيْنَ الْفَرَسِ وَالرَّجُلِ وَأَنْ لَا يَسْتَحِقَّ بِالْفَرَسِ شَيْئًا لِأَنَّهُ آلَةٌ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَسَائِرِ الْآلَاتِ، وَلَكِنَّ الْآثَارَ اتَّفَقَتْ عَلَى سَهْمٍ وَاحِدٍ فَأَخَذْنَا بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَثَرُ وَأَبْقَيْنَا مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَثَرُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ فَصَاحِبُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ يَلْتَزِمُ الْمُؤْنَةَ أَيْضًا وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا وَصَاحِبُ الْفِيلِ وَالْبَعِيرِ مُؤْنَتُهُ أَكْثَرُ ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِمَا شَيْئًا مَعَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُؤْنَةَ الْفَرَسِ أَكْثَرُ فَإِنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَرَسُ مِنْ الْعَلَفِ يُوجَدُ مُبَاحًا وَمَطْعُومُ بَنِي آدَمَ مِنْ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِثَمَنٍ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَاحِبُ الْبِرْذَوْنِ وَالْهَجِينِ وَالْمُقْرِفُ كَصَاحِبِ الْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ بِهِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ وَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ لَا يُسْهَمُ لِلْبَرَاذِينِ وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ لَهُمْ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ الْخَيْلَ أَغَارَتْ بِالشَّامِ وَعَلَى الْقَوْمِ الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي خَمْصَةَ الْوَدَاعِيُّ فَأَدْرَكَتْ الْعِرَابَ الْيَوْمَ وَالْبَرَاذِينَ ضُحَى الْغَدِ فَلَمْ يُسْهِمْ الْمُنْذِرُ لِلْبَرَاذِينِ وَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ أَدْرَكَ كَمَنْ لَا يُدْرِكُ وَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: هَبِلَتْ الْوَدَاعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَتْ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَقَدْ أَذَكَرَتْهُ أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ السَّهْمِ بِالْخَيْلِ لِمَعْنَى إرْهَابِ الْعَدُوِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] الْآيَةُ وَالْإِرْهَابُ يَحْصُلُ بِالْبِرْذَوْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ ثُمَّ الْعَرَبِيُّ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى وَالْبِرْذَوْنُ أَقْوَى عَلَى الْحَرْبِ وَأَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا عِنْدَ اللِّقَاءِ فَفِي كُلِّ جَانِبٍ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ مُعْتَبَرَةٍ وَمَعْنَى الْتِزَامِ الْمُؤْنَةِ يَجْمَعُهُمَا وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُنْذِرَ فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ فَأَمْضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتِهَادَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ يَسْتَحِقُّ بِالْفَرَسِ الْعَرَبِيِّ سَهْمَانِ وَبِمَا سِوَى ذَلِكَ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ الْبِرْذَوْنَ فَرَسُ الْعَجَمِ وَالْعَرَبِيَّ فَرَسُ الْعَرَبِ وَكَمَا يُسَوِّي بَيْنَ الْعَجَمِيِّ وَالْعَرَبِيِّ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ فَكَذَلِكَ فِي الْخَيْلِ وَالْهَجِينِ مَا يَكُونُ أَبُوهُ مِنْ الْكَوَادِنِ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةً وَالْمُقْرِفُ مَا يَكُونُ أَبُوهُ عَرَبِيًّا وَأُمُّهُ مِنْ الْكَوَادِنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَقَدْ ذَكَتْ بِهِ أَتَتْ بِهِ ذَكِيًّا وَقَوْلُهُ أَذَكَرَتْهُ أَتَتْ بِهِ ذَكَرًا جَلْدًا.
(قَالَ): وَإِذَا دَخَلَ الْغَازِي دَارَ الْحَرْبِ مَعَ الْجَيْشِ فَارِسًا ثُمَّ نَفَقَ فَرَسُهُ أَوْ عَقَرَ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَلَهُ سَهْمُ الْفُرْسَانِ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ سَهْمُ الرَّاجِلِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَقَدْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا وَلِأَنَّ سَبَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute