للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا رَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسْهِمْ لِصَاحِبِ الْأَفْرَاسِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ» وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّمَا أَعْطَاهُ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُ وَلِأُمِّهِ صَفِيَّةَ وَمَا أَسْهَمَ لَهُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآثَارِ يُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى اسْتِحْقَاقَ السَّهْمِ بِالْفَرَسِ وَلِأَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ وَيُحْمَلُ مَا يُرْوَى مِنْ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ أَعْطَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْفِيلِ كَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَهْمَيْنِ وَكَانَ رَاجِلًا» وَلَكِنْ أَعْطَاهُ أَحَدَ السَّهْمَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْفِيلِ لِجِدِّهِ فِي الْقِتَالِ فَإِنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَخَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ»، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إلَّا لِخَادِمٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِخَادِمَيْنِ.

وَمَنْ مَرِضَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا فِي خَيْمَتِهِ حَتَّى أَصَابُوا الْغَنَائِمَ فَلَهُ السَّهْمُ كَامِلًا لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ كَمَا قَرَّرْنَا وَفِي نَظِيرِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ بِضُعَفَائِكُمْ».

وَإِذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً مِنْ الْعَسْكَرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَجَاءَتْ بِغَنَائِمَ وَقَدْ أَصَابَ الْجَيْشُ غَنَائِمَ أَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُشَارِكُ بَعْضًا فِي الْمُصَابِ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ دُخُولُ دَارِ الْحَرْبِ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ؛ وَلِأَنَّ الْجَيْشَ فِي حَقِّ أَصْحَابِ السَّرِيَّةِ كَالرِّدْءِ لَهُمْ حَتَّى يَلْجَئُونَ إلَيْهِمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرِّدْءِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلرِّدْءِ أَنْ يُشَارِكَ الْجَيْشَ فِي الْمُصَابِ وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَ مَا الْتَحَقُوا بِهِمْ فَهَذَا أَوْلَى.

وَإِنْ أُسِرَ فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ غَنِيمَةً ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُمْ فَالْتَحَقَ بِالْجَيْشِ الَّذِي أُسِرَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا فَهُوَ شَرِيكُهُمْ فِي جَمِيعِ مَا أَصَابُوا وَإِنْ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ مَعَهُمْ فَيُشَارِكُهُمْ فِيمَا تَأَكَّدَ الْحَقُّ بِهِ وَهُوَ الْإِحْرَازُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَارِضُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ مَرِضَ أَوْ جُرِحَ وَإِنْ الْتَحَقَ هَذَا الْأَسِيرُ بِعَسْكَرٍ آخَرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ أَصَابُوا غَنَائِمَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ إلَّا أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا فَيُقَاتِلُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ مَا انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَهُمْ وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ مِنْ اللُّحُوقِ بِهِمْ الْفَوْزَ وَالنَّجَاةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ إلَّا أَنْ يَلْقَوْا قِتَالًا فَحِينَئِذٍ تَبَيَّنَ بِفِعْلِهِ أَنَّ قَصْدَهُ الْقِتَالُ مَعَهُمْ وَيَجْعَلُ قِتَالَهُ لِلدَّفْعِ عَنْ الْمُصَابِ كَقِتَالِهِ لِلْإِصَابَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا الْتَحَقَ بِالْعَسْكَرِ، أَوْ الْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ فَالْتَحَقَ بِالْعَسْكَرِ أَوْ التَّاجِرُ الَّذِي دَخَلَ بِأَمَانٍ إذَا الْتَحَقَ بِالْعَسْكَرِ فَإِنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ إنْ قَاتَلُوا اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ.

وَفِي الْأَصْلِ ذَكَرَ أَنَّ عَبْدًا لَوْ جَنَى جِنَايَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>