للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَطَأً أَوْ أَفْسَدَ مَتَاعًا فَلَزِمَهُ دَيْنٌ ثُمَّ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» ثُمَّ الْجِنَايَةُ تَبْطُلُ عَنْهُ، وَالدَّيْنُ يَلْحَقُهُ لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لَا يَبْقَى فِيهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، فَأَمَّا الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَنْهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَمَا لَا يَبْطُلُ بِبَيْعِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يَجِبُ شَاغَلَا لِمَالِيَّتِهِ فَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْعَدُوُّ مَالِيَّتَهُ مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ كَمَا أَسَرُوهُ وَلِهَذَا يَبْقَى الدَّيْنُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ وَلَوْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَوْ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي غَنِيمَةٍ يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ وَالدَّيْنَ يَلْحَقَانِهِ لِأَنَّهُ يُعِيدُهُ بِالْأَخْذِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَحَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ ثَابِتًا فِي قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَتْلَ عَمْدٍ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ نَفْسُهُ قِصَاصًا فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ.

(قَالَ): وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ أَحَدًا مِمَّا قَدْ أَصَابَهُ إنَّمَا النَّفَلُ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَقَدْ كَانَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِغْرَاءِ عَلَى الْقِتَالِ وَهَذَا الْكَلَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِالْقَتْلِ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ تَنْفِيلِ الْإِمَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَتَلَهُ مُقْبِلًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَارِزَةِ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِبَيَانِ السَّبَبِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» فَظَاهِرُهُ لِنَصْبِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ لِذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ جَوْلَةً يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَقِيت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ وَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَضَمَّنِي إلَى نَفْسِهِ ضَمَّةً شَمَمْت مِنْهَا رَائِحَةَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَاهَا اللَّهُ أَيَعْمَدُ أَسَدٌ مِنْ أَسَدِ اللَّهِ فَيَقْتُلُ عَدُوَّ اللَّهِ ثُمَّ يُعْطِيك سَلَبَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ كَانَ الْقَتْلُ مِنْهُ قَبْلَ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَعْطَاهُ سَلَبَهُ»، فَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقَتْلِ لَا بِالتَّنْفِيلِ؛ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ أَظْهَرَ فَضْلَ عِنَايَةٍ عَلَى غَيْرِهِ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ فَيَسْتَحِقُّ التَّفْضِيلَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْفَارِسِ مَعَ الرَّاجِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>